غرفة نوم آرنست همنغواي

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

نشعر في الكثير من الأحيان حيال كاتب نحبّه برغبة في معرفة المكان الذي يكتب فيه، وعاداته في الكتابة، والمزاج الذي يحكم سلوكه في تلك اللحظة الأدبية الخلّاقة، والتي يقال إنها شديدة الخصوصية بالنسبة للكاتب، فيما يقال أيضاً إن الكثير من الروائيين والشعراء يكتبون في عزلة، وإن حالة طقوسية قد تكون غرائبية أحياناً تحيط بفعل الكتابة «الأسطوري» هذا، إلى آخره من طقسيات أو ممارسات تثير الفضول ليس عند القارئ فحسب، بل إن كثيراً من الكتّاب يقومون بنوع من التلصّص على زملائهم لمعرفة أو «للفرجة» على أمكنة الكتابة لديهم. تلك الغرف المغلقة أحياناً، وأحياناً تبدو وكأنّها عِلّيات مسحورة، مسكونة بالريبة والغموض.
في المقابل، بعض الكتّاب لا تعنيهم الأمكنة. بإمكان الشاعر أن يكتب في مقهى، وبوسع الروائي أن يتمم روايته في غرفة في فندق، والبعض تشغفه الكتابة في الطائرة، أو في باخرة.
كان آرنست همنغواي يكتب في غرفة النوم، وسوف أتوقف عند هذه الغرفة، وأنقل إلى القارئ صورتها التي تبدو وكأنها غرفة عمليات لجنرال. «تقع غرفة النوم في الطابق السفلي، متصلة بغرفة البيت الرئيسية، والباب القائم بين الغرفتين يبقى موارباً، يمنعه من الانغلاق كتاب ضخم فيه تعداد لأنواع محركات الطائرات ووصف لها، غرفة النوم فسيحة، مشمسة فيها شبّاكان إلى الشرق وإلى الجنوب، ومنهما يدخل نور النهار إلى ما بين الجدران البيضاء والأرضية ذات البلاطات الصفراء الباهتة».
الوصف طويل لغرفة نوم همنغواي التي يكتب فيها، ومن عاداته في الكتابة أنه يكتب واقفاً، كما جاء في حوار معه في كتاب «بيت حافل بالمجانين» ترجمة: أحمد شافعي. «يقف همنغواي منتعلاً حذاءين واسعين فوق جلد الوعل القديم».
تصل أرفف الكتب في الغرفة إلى طول قامة رجل، وثمة شبشب ضخم وحذاء خفيف عند موضع القدمين.
أقرأ هذا الوصف لغرفة صاحب «وداعاً للسلاح»، ويذهب بي الخيال إلى جسد الروائي الذي يملأ الغرفة. جسد مصارع بالطبع لا بدّ له من شبشب ضخم، ولا بدّ أن تصل أرفف الكتب إلى قامته.
هنا، إذاً، كان الرجل ذو الصورة الجنرالية ينام، ويأكل، ويكتب وكان لديه، كما قال جورج بلتمون الذي أجرى حواراً معه في ربيع عام 1958 «مكتب مجهز للعمل في برج مربع يقع في الركن الجنوبي الغربي من بيته، لكنه يفضّل العمل في غرفة نومه».
ومثلما يذهب بك الخيال إلى جسد الروائي الذي يملأ الغرفة مع أرفف الكتب، لا بدّ أنك فكّرت قليلاً على هذا النحو: هل كان همنغواي وفي هذه الغرفة الباذخة يفكر في الطريقة التي ينهي بها حياته ببندقية صيد من فوّهتين؟

[email protected]

https://tinyurl.com/yn9nxum4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"