من يختار الغلاف؟

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

أصبح بعض النقّاد يميلون في مراجعاتهم النقدية للكتب إلى البدء بـ«قراءة» الغلاف، لتحليل إلى أي مدى يعكس تصميمه، وربما العنوان أيضاً، محتوى العمل الأدبي الذي يضمّه الكتاب المعني، كون الغلاف هو عتبة الكتاب التي لا بد من المرور عليها قبل دخول عالم الكتاب.
هذا الميل النقدي في قراءة وتحليل الغلاف يطرح بعض الأسئلة، لعل أهمّها يتصل بدور المؤلف في اختيار غلاف كتابه، فغالباً ما تتولى دور النشر ذلك. صحيح أنه تجري استشارة الكاتب، أو هكذا يفترض، في مشروع الغلاف المقترح من الناشر، فيوافق عليه أو يطلب تغييره أو إدخال تعديلات عليه، ولكن يبقى أن الاختيار يتم على يد الناشرين الذين يستعينون بمصممي أغلفة لهذه المهمة، وقد يكون أصحاب بعض دور النشر هم أنفسهم مصممين، ما يطرح سؤالاً أولاً عن دور الكاتب في «وضع» أغلفة كتبه، من جهة، وسؤالاً ثانياً حول مدى تمثل المصمم لمحتوى الكتاب أو الرسالة التي يريد مؤلفه إيصالها للقارئ، فقد يكون تصميم الغلاف، بصرف النظر عن جماله أو عدمه، بعيداً عن هذا المحتوى.
لا معلومات متيسرة لدينا عن دور أدبائنا العرب الكبار، مثل نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وحنا مينه ويوسف إدريس والطيب صالح والطاهر وطار، ومثلهم كبار شعرائنا كنزار قباني ومحمود درويش وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل وقاسم حداد وغيرهم في اختيار أغلفة أعمالهم الكثيرة التي قد تبلغ العشرات لدى الواحد منهم، وإن كنا نرجح أن الدور الحاسم في وضع تلك الأغلفة يعود لمصممي دور النشر، وربما استثنينا هنا اللبناني سهيل إدريس مؤسس دار الآداب، كونه جمع بين الأدب والنشر، فلربما أتاح له وجوده في مطبخ النشر أن يكون شريكاً في اختيار أو وضع أغلفة رواياته.
ثم ماذا أيضاً عن الأعمال المترجمة إلى لغات مختلفة؟ فلو أخذنا رواية شهيرة، مثل «مئة عام من العزلة» لغابرييل ماركيز، وقمنا بجولة، في العالم الافتراضي، عن أغلفة ترجماتها من لغتها الأصل، الإسبانية، إلى لغات العالم المختلفة، لما وجدنا غلافاً واحداً في ترجمة بلغة معينة يشبه نظيره في ترجمات بلغات أخرى، حيث تتعدد الأغلفة بتعدد الترجمات، وأحياناً في اللغة نفسها، كالعربية، نظراً لوجود أكثر من ترجمة عربية للرواية، وحتى لو صحّت المفاضلة بين الأغلفة المختلفة للقول: إن أحدها أو بعضها يعكس محتوى الرواية أكثر من سواه، فإنه لا يصحّ إغفال تعدد الرؤى الفنية بين المصممين المختلفين لهذا المحتوى، وما هي الزاوية التي لفتت انتباه المصمم أكثر من سواها، وأراد إبرازها في تصميمه لغلافها، وقد يكون هذا باباً لمعرفة أثر الثقافة التي ينتمي إليها الفنان وتُميّزه عن نظرائه في الثقافات الأخرى.

[email protected]

https://tinyurl.com/2z4jc8bv

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"