عادي

رؤية فلسفية للحياة لخولة الأسعد

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

تتخير الكاتبة د. خولة الأسعد في النصوص التي ضمها كتابها «تعاليل وتباريح روحانية» (الآن ناشرون وموزعون، 2025) الاقتراب من التراث والتفاعل معه بصورة مدروسة.
لهذا جاءت النصوص على شكل حوارات عميقة بين التلميذ النجيب وأستاذه، حيث يطرح التلميذ سؤالاً يمس جملة من الأفكار والهواجس الإنسانية، وأغلبها يتعلق بأحوال النفس البشرية وتقلباتها، وبموضوعة الأخلاق ومقاربة فهم سياقات تشكلها داخل المجتمع، ثم يأتي رد الأستاذ الذي يحمل صبغة فلسفية عميقة، ودراية تأملية اكتسبها بالعلم والخبرة والتجربة.
وفي نهاية كل نص تترك الكاتبة إشارة للمتلقي تدعوه للتفكر والتأمل، كما لو أنها تلخص الفكرة الأساسية للنص أو الحكمة التي انطوى عليها.
إلى جانب ذلك، تستخدم د. خولة الحكاية الرمزية التي شاعت في الأدب قديماً وأشهر كتبها «ألف ليلة وليلة»، و«كليلة ودمنة»، و«جواهر الأدب»، و«المستطرف في كل فن مستظرف».. وهي تؤشر إلى حكمة إنسانية وتعلّم منظومة أخلاقية، مثال ذلك في نص «حكاية إوزّة»، حيث يجلس الأستاذ بوقاره كالمعتاد، ثم يقول بصوت هادئ: «سأخبرك يا بني حكاية الإوزة»، يجلس الطالب النجيب بين يديه وكله آذان صاغية، وقلب متلهف للحكاية، يقطع تأمله صوت ضحكة أستاذه متذكراً حكاية الإوزة الكبيرة مع صويحباتها الأخريات، وهنّ يتبادلن النظرات للحديث عن ريش إحداهن بعد أن تلوّن بالزهو والكبرياء، لقدرتها على معرفة ما يجول بخاطر الجميع، فقط تنظر إلى أعماقهن فتقرأ لهنّ ما يعلق بالدواخل سريعاً، وتتكشف أمورهن كلها. حاولت الإوزات ضمّ أجنحتهن سريعاً إلى صدورهن لتغطية سبر الأعماق، وهَرْوَلْنَ مُوليات، لتقرأ لهنّ أخرى فنجان قهوة الصباح، وكانت الجملة الختامية في هذا النص هي «وللحظوظ وكشف النوايا طرقات».
وحرصت الكاتبة على الحفاظ على روح الجملة التراثية وتركيبها، حيث كثرت في النصوص الطباقات والمترادفات والسجع والرمز والعبارات التي تحمل في طياتها إشارات فلسفية تنظر للوجود من منظور عام، مثال ذلك ما جاء في نصها «ظلم وظلمات»، وفي أغلب النصوص حضرت الرؤية الفلسفية الشفافة للحياة ولمجريات الكون التي تنعكس على الروح البشرية وتصنع تقلباتها، ولم تكن هذه الفلسفة تنطوي على تعقيد أو إبهام، لأن الإطار الذي اختارته الكاتبة هو حوار بين طالب علم ومعلم يشرح بروية وتفصيل، كما جاءت النصوص قصيرة وسريعة الإيقاع لتبعد الملل عن المتلقي وتقوده إلى فكرتها من غير إسراف أو تقتير، ويبدو الكتاب بنصوصه التي جاوزت المئة نص توزعت على 124 صفحة من القطع المتوسط، رحلة ثرية بالتعلم والمعرفة والتأمل والتفكر، وتنطوي على الطرافة والمتعة المستمدة من طبيعة الكتاب السردية التي تستثمر الحكايات القديمة بما تحمله بين طياتها من حكمة إنسانية، وتعمد على شكل هو أقرب لقصة تقوم على الحوار بين طرفين، إلى جانب العناية باختيار عناوين جاذبة واختتام كل نص بعبارة دالة.
ومما كتب على الغلاف الخارجي للكتاب: بلغة خاصة وبتعبير سلس وطرح بسيط، تُسلّط د. خولة الأسعد الضوء على ما يسكن النفس البشرية من هواجس وتساؤلات ورغبات وأفكار وإكراهات وتحدّيات وتناقضات داخلية، تتجلى في علاقاتنا الاجتماعية التي تُهيمن عليها التقلبات السريعة والمفاجئة بصور وتمظهرات شتى من قبيل، الحب والكره، الربح والخسارة، الفرح والحزن، الصدق والكذب. هذه النصوص ليست مجرد خواطر، إنها سَفرٌ ورحلة تأملية متخيَّلة، تغوص في أعماق النفس البشرية لاستكشاف مكنوناتها وخفاياها واستجلاء نواقصها وإبراز خيرها وفضح شرورها.

https://tinyurl.com/387djbrp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"