ما شطبه تشيخوف وما أبقاه

00:14 صباحا
قراءة دقيقتين

ليس تشيخوف الكاتب الوحيد الذي حرص على تدوين ملاحظات وأفكار في مفكرات أو كراسات تُسجل فيها أيُّ فكرة، أو حتى عنوان قصة أو مقال، يمكن أن ترد على الذهن، خشية نسيانها. وهو أمر يحدث كثيراً، كأن تخطر فكرة في ذهن الكاتب وقد وضع رأسه على وسادة النوم، ويعقد العزم على أن تكون نواة موضوع يكتب عنه، أو تضيء جانباً من كتابة هو عاكف عليها، ولكنه حين يصحو في صباح اليوم التالي يفاجأ بأن الفكرة قد ضاعت من ذهنه ولا تجدي محاولاته لتذكرها، على الأقل في ذلك الصباح، فينتابه الندم لأنه فرّط في فكرة غنمها، ولم يُدوّنها للحفظ.
في إحدى شهادات إيزابيل الليندي عن طقوسها في الكتابة قالت إنها، إضافة إلى حرصها على تدوين مثل هذه الأفكار أو الإضاءات التي تخطر في بالها قبل أن تنساها، تحتفظ بقصاصات من الصحف، وجدت فيها معلومة أو خبراً طريفاً أو فكرة ملهمة، وليست غايتها نقل ما احتوته هذه القصاصات كما هو فيما هي عازمة على الكتابة حوله بالضرورة، وإنما الاستفادة منه في تكوين مشهد سردي ما، حين نقرؤه، نحن معشر القراء، لن نتبين أن نواته كانت خبراً أو تعليقاً في عدد منسي من صحيفة أو من وثيقة أرشيفية.
كشفت أولغا ليوناردوفنا زوجة أنطون تشيخوف، بعد وفاته، عن المفكرة التي كان يدّون فيها مداخل منفصلة تتعلق بأعماله المستقبلية والاقتباسات التي أحبّها، مشيرة إلى أن تشيخوف أعاد نسخ هذه المتناثرات في كراس آخر بعد أن حذف منها ما أدرجه ضمن كتبه التي صدرت في حياته، وأبقى فقط على ما لم يتمكن من تضمينه من هذه الاقتباسات أو رؤوس الأقلام لأفكار جالت في ذهنه، على أمل أن يوظفها في أعمال قادمة، ولكنه توفي قبل ذلك.
هذه «التدوينات» ستصبح كتاباً عنوانه في ترجمته إلى العربية «دفاتر سرية» التي وضعها جولان حاجي، ورغم أن الكتاب حمل عنواناً فرعياً: «يوميات تشيخوف» لكن محتواه غير مؤرخ بتواريخ على غرار اليوميات المعهودة، فهو أقرب إلى الإشارات المبهمة، ويتضمن أسماء غريبة قد لا تخصّ أحداً بعينه، ولكنه ربما نوى إطلاقها على بعض شخصيات قصصه؛ لأن الكاتب حين دوّن هذه الملاحظات فعل ذلك لنفسه فقط، وليس للقارئ. ورغم ذلك حين نقرأ الكثير من تلك التدوينات سنجد فيها أفكاراً ذكية وطريفة وملهمة، على شكل شذرات صغيرة، أشبه بالتغريدات التي تنشر على منصة «إكس» اليوم، ولكن بمحتوى إنساني عميق، ورأينا مناسباً اقتطاف هذه العبارة منها: «الحبّ إما بقية من شيء هائل أو جزء من شيء سيغدو هائلاً في المستقبل».
[email protected]

https://tinyurl.com/49x9c3d8

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"