عادي

«الصفقة الصعبة».. ألغام على طاولة مفاوضات بوتين وترامب

22:59 مساء
قراءة 5 دقائق

إعداد ـ محمد كمال

بعد تمكن الإدارة الأمريكية من ممارسة الضغط لأقصى درجة من أجل وقف القتال في غزة وجنوب لبنان، فإن كل الأنظار بالطبع تتجه إلى الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تكررت تعهدات الرئيس دونالد ترامب بأنه سينهي هذه الحرب المستمرة منذ حوالي ثلاث سنوات في أسرع وقت ممكن، لكن ثمة عراقيل من الصعب جداً تخطيها وصولاً إلى اتفاق سلام مأمول.
وعلى الرغم من اختلاف نبرة ترامب بعد تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة، وتهديده بفرض عقوبات على روسيا إن لم تحضر إلى طاولة المفاوضات، وانتقاده العلني النادر للرئيس الروسي الروسي بأنه يدمر بلاده بالاستمرار في الحرب، فإن هذه التصريحات لم تثر ذعر الكرملين، الذي تحدث عن انفتاحه على المباحثات المنتظرة بين بوتين وترامب، في الوقت الذي أبدى المتشددون الروس رغبة في مواصلة الحرب حتى النصر الكامل.
ـ التقدم في ساحة المعركة ـ 
مع استشعارهم للتقدم المتزايد في ساحة المعركة وسط الاحتمال القوي بأن يقوم ترامب بتقليص المساعدات العسكرية لأوكرانيا، يبدو أن الكثيرين في روسيا يعتقدون أنه يمكن الاستيلاء على المزيد من الأراضي وإجبار كييف على الاستسلام في وقت لاحق من العام.
ويقول المحلل الروسي سيرغي ماركوف: «في الربيع لن تكون الظروف مواتية لإنهاء الحرب، لكن ربما بحلول الخريف، ستكون هناك ظروف سياسية أفضل»، بحسب ما نقلت عنه صحيفة واشنطن بوست.
أما نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، فقد قال إن موسكو ترى فرصة صغيرة للتوصل إلى اتفاقات مع إدارة ترامب، لكن بناء على ما تقوله العديد من الأصوات المؤثرة في روسيا، فإن الاتفاقيات ستتضمن تغييرات بعيدة المدى في الأمن الأوروبي والوضع الأمني.
ـ أهداف روسية ـ 
بناء على التصريحات الصادرة من روسيا، فإن العديد من المسؤولين هناك يرون أن الحرب يجب أن تنتهي بـ«أوكرانيا محايدة ومنزوعة السلاح خارج حلف شمال الأطلسي، مع احتفاظ روسيا بالأراضي التي ضمتها بالفعل». وقد يشمل ذلك أيضاً مطالب موسكو بإجراء محادثات أوسع نطاقاً حول البنية الأمنية لأوروبا، ومطالبة حلف شمال الأطلسي بإنهاء وجوده العسكري على الحدود الشرقية لروسيا. كما تصر موسكو على أنه «لا ينبغي أن يكون الاتفاق على وقف إطلاق نار قصير؛ بل سلام دائم».
ويرى الرئيس السابق لمجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، كما نقلت عنه مؤخراً صحيفة كومسومولسكايا برافدا أن أوكرانيا ومولدوفا المجاورة لها قد تختفيان من الوجود بحلول نهاية العام.
وتقول المحللة المستقلة تاتيانا ستانوفايا، ومقرها فرنسا: «بالنسبة لباتروشيف، لا يوجد طريق آخر سوى أن تصبح أوكرانيا صديقة، وذلك من خلال «إما الاستسلام وقبول المطالب الروسية أو الانهيار التام». وأضافت أن باتروشيف وغيره من المتشددين يمثلون قطاعاً مؤثراً من النخبة السياسية الروسية، لكن الحكم النهائي على الاتفاق مع ترامب سيأتي من بوتين وحده.
ويؤكد المحلل المتشدد ديمتري ترينين أن القتال يجب أن يستمر لأن شرط موسكو، باستسلام أوكرانيا، لن يكون مقبولاً بالنسبة للغرب. وأضاف أن المواجهة بين القوتين الكبريين ستظل عميقة ودائمة، موضحاً أن: «استراتيجية ترامب ستعطي الأولوية للهيمنة الأمريكية»، في حين يمكن لروسيا الاستيلاء على المزيد من الأراضي الأوكرانية في الأشهر المقبلة، بما في ذلك أوديسا أو خاركيف أو ميكولايف أو دنيبرو.
ويشدد ترينين، أنه بالنسبة لموسكو، أي شيء أقل من النصر الكامل يعني الهزيمة، ومثل هذه النتيجة ببساطة ليست خياراً. وأي خيار للسلام يُبقي على أوكرانيا الموالية للغرب يجب منعه بأي ثمن، وأنه يجب أن تكون كييف «مسالمة أولاً، ثم شريكة، وفي نهاية المطاف حليفة لروسيا».
ـ مصالح أمريكية ـ 
العديد من كبار المسؤولين الروس أعربوا عن حذرهم المتزايد من أن ترامب قد يسعى إلى تحقيق مصالح أمريكا بقوة، على حساب روسيا. ويؤكدون أنه بغض النظر عمن يتولى المسؤولية، فإن الولايات المتحدة عازمة على احتواء روسيا عسكرياً واقتصادياً، ويقول فياتشيسلاف فولودين، رئيس البرلمان الروسي، خلال جلسة عامة، إن الولايات المتحدة في عهد ترامب «ستسعى إلى الاحتفاظ بهيمنتها».
ويشير هؤلاء المسؤولون إلى أن إدارة ترامب، خلال فترة ولايته الأولى، زادت العقوبات على روسيا وقدمت الأسلحة الفتاكة الأولى لأوكرانيا. ويؤكد أناتولي أنتونوف، السفير الروسي السابق إلى الولايات المتحدة الذي عاد مؤخراً، أن الولاية الأولى لترامب شهدت «تدميراً مستمراً للعلاقات الثنائية، وانهياراً في الاتصالات الدبلوماسية وخنق روسيا».
ـ تفاؤل نوعي ـ 
ومع ذلك، يشعر البعض بالتفاؤل، نظراً لدعوات ترامب المتكررة لإنهاء الحرب والتوقعات بأنه سيقطع المساعدات العسكرية لأوكرانيا. ويتطلع الكثيرون إلى بعض من اختيارات ترامب الوزارية، مثل تولسي غابارد، التي تم ترشيحها لمنصب مدير المخابرات الوطنية، على أنها قد تساعد على استعادة العلاقات الروسية الأمريكية.
ويقول أكاديمي روسي له علاقات مع مسؤولين دبلوماسيين كبار: «من بين هذه الدعوات للحذر، ما زال بعض الأمل يلوح في الأفق لأن ترامب ليس سياسياً عادياً، ويمكن توقع بعض المفاجآت منه». وأضاف: «موسكو بأكملها منخرطة الآن في ما يمكن أن نسميه إدارة التوقعات».
وبالنظر إلى المطالب التي ينشرها الصقور المؤيدين للكرملين، فإنها تشير إلى استعداد بوتين لمواصلة القتال في الحرب إذا لم يحصل على ما يريد من ترامب. ويقول مراقبون إن هؤلاء «لا يبحثون عن المفاوضات من أجل المفاوضات؛ بل عن فهم في واشنطن والغرب بأن أوكرانيا خسرت الحرب».
ـ العقوبات ـ 
ومن الواضح أن بوتين كان أقل اهتماماً بالاعتراف الدولي بضم روسيا للأراضي الأوكرانية، من اهتمامه ببسط الهيمنة الروسية على أوكرانيا.
لكن هناك مخاطر بالنسبة لبوتين، لا سيما بسبب الضغوط المتزايدة على الاقتصاد الروسي والكلفة الباهظة للحرب، والتي يمكن أن تتفاقم أكثر إذا نفذ ترامب تهديده بفرض عقوبات. وقد بدأت أسعار الفائدة والتضخم في الارتفاع بالفعل، مع تحذير الشركات الكبرى من أن الديون الضخمة قد تؤدي إلى إفلاسها. وفي الوقت نفسه، يذهب 40% من إنفاق الميزانية إلى الأجهزة العسكرية والأمنية.
ويتمثل الخطر الرئيسي الذي يواجهه بوتين، في احتمال قيام ترامب بتكثيف الضغوط الاقتصادية على روسيا، فضلاً عن تهديده بأنه سيفرض عقوبات جديدة أكثر صرامة من أي وقت مضى لدفع بوتين إلى المحادثات، وعقد صفقة، لكن البعض قلل من أهمية الضغط بالعقوبات لأن الجزء الأكبر المحتمل منها قد تم فرضه بالفعل، وتمكنت روسيا من التعامل معه.
ـ المكالمة المنتظرة ـ 
ومن شأن المكالمة الهاتفية المنتظرة بين ترامب وبوتين، أن تفتح طريق الحوار بين موسكو وواشنطن، وتنشئ مجموعة عمل بشأن أوكرانيا، وتمهد الطريق لاجتماع قمة، وفق ما قال أحد محللي الكرملين. وأضاف: «في الاجتماع المحتمل، لن يتمكنا من التوصل إلى حل وسط بشأن الأزمة الأوكرانية، لكن قد يتوصلا إلى حلول بشان مسائل أخرى»، لافتاً إلى أنه «متفائل بشأن التنازلات المحتملة من ترامب، وعلى سبيل المثال إعادة فرض الحظر على الأسلحة النووية. واستخدام كييف للصواريخ الغربية من أجل استهداف روسيا»، وهو ما انتقده ترامب بالفعل بعد تخفيف سلفه جو بايدن للقيود المفروضة على استخدام الأسلحة الغربية.
وعلى الرغم من حديث ترامب الصارم، يعتقد البعض في حزبه الجمهوري أنه إذا اجتمع الزعيمان، فإن بوتين سوف يحصل على الصفقة التي يريدها من الرئيس الأمريكي، حيث سيظهر ترامب أنه أنهى الحرب. لكن روسيا ستحصل على الجائزة الكبرى.
ـ طموحات ترامب ـ 
ما يعزز احتمال حصول بوتين على ما يريده، هو ما كرره ترامب في تصريحاته مؤخراً، حول رغبته في ضم غرينلاند إلى الولايات المتحدة، والتي تتمتع بالحكم الذاتي، لكنها جزء من الدنمارك حليفة الناتو، وكذلك مطالبته بالسيطرة على قناة بنما، وتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، ثم تكراره أكثر من مرة أنه يريد أن تصبح كندا الولاية الأمريكية الـ51.
وما يلفت الانتباه أن بوتين وترامب أصبحا متفقين وفقاً لهذه الرؤى والمواقف، على أن النظام القائم على القواعد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية والذي كان يحظر استخدام القوة لتغيير الحدود، لم يعد يصلح بالنسبة لهما حالياً، وبالتالي تظهر أرض مشتركة بينهما، وبالتالي قد تسعى الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب إلى تقديم مطالبها الإقليمية على علاقاتها مع الحلفاء.

https://tinyurl.com/3eb7sx9n

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"