غياب البحوث الموسيقية الجادّة

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تذكر «من التلحين إلى التأليف الموسيقي»؟ وعد القلم بطرح موضوع ربع التون، والصواب ثلاثة أرباع التون، لأنه لم يحدث أن رأى أحد ربع تون منفصلاً في تدوين موسيقي. كان المبحث مرتبطاً بالارتقاء بالتلحين إلى مستوى التأليف الموسيقي، عبر استخدام البيانو في هذا المجال، بديلاً من العود. الموسيقى أعظم الفنون، فلم تعرف البشريّة مجتمعاً ليست له موسيقى، ولن تعرف، بينما عرفت العصور مجتمعات ليست لها علوم وآداب وفنون تشكيلية...
التجارب، إلى حاضرنا، أثبتت أن التآلفات، أي تزامن عزف ثلاث درجات صوتيّة أو أكثر، معاً، والطباق الموسيقي (الكونترابانط)، أي الجمل اللحنية المتزامنة، مسعًى فاشل في المقامات الشرقية ذات ثلاثة أرباع البعد. دوزنة البيانو بما يناسب المقامات الشرقية، سرعان ما أدرك الموسيقيون العرب، منذ أوائل القرن العشرين، أنها لا تفي بالغرض نظريّاً وذوقيّاً. التجارب كثيرة في مصر وسوريا ولبنان... واضح أن البحوث في هذا الميدان لم تكن جادّةً كافيةً.. المهم إدراكه هو أن استخدام البيانو عربيّاً، بالمقامات الشرقية أو الغربية، كان مجرّد لمسات توزيعيّة، ديكوريّة، ولم يدخل الموسيقى العربية كملك الآلات للتأليف الموسيقي الجادّ. ذلك جليّ عند محمد عبد الوهاب، السنباطي، فريد... اقتصر الأداء على اللحن، الميلوديا. كاريكاتورياً، ذلك شبيه بتسخير طائرة نقل عملاقة لجلب سندويش. من لا يعرف الصقر يشويه. الأنكى في تقزيم البيانو هو أن التجارب في تطبيق المقامات الشرقية ذات ثلاثة أرباع التون سوّلت للموسيقيين أداء التقاسيم عليه، مثل تقاسيم اللبناني عبدالله شاهين في البيات. البيانو الشرقي يُنسب إليه. أمّا في إيران فالمصيبة أعظم، فقد أخذوا البيانو المعدل شرقياً على محمل الجدّ، فرافق عدداً من كبار مؤدّي الموّال، لينحصر دوره في مصاحبة الأغاني والعزف الارتجالي المرافق لأداء المواويل الارتجالية، بجمل نغميّة بين أبيات الشعر. تصوّر كيف يتنزّل البيانو من قمم التأليف عند فرانز ليست، شوبان، بيتهوفن، تشايكوفسكي... لم يرحموا عزيز عزف ذلّ.
تقول: حيّرتنا، فما الحل؟ «إذا لم تستطع شيئاً فدعه.. وجاوزه إلى ما تستطيع». المعضلة الأساسية في الأذن العربية هي الافتتان بالتطريب، والارتهان للطرب، أي موسيقى «سكر زيادة»، أن يكون الرأس كرقّاص الساعة الحائطية. إذا أجمع كبار أساتذة الموسيقى النظرية العرب على أنه لا حلّ مع البيانو الشرقي، في رياضيات الموسيقى وفيزيائها، فلينطلق روّاد التجديد بالموسيقى الجادة من المقامات الشرقيّة الخالية من ثلاثة أرباع التون، كالنهاوند والعجم، والكرد. لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: كيفما قلّبنا قضايا موسيقانا، اكتشفنا غياب الدراسات النظريّة. لا تخطئوا، فالتطوير ليس لدى المطربين.
[email protected]

https://tinyurl.com/2wkr39ma

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"