أوروبا الكئيبة

00:56 صباحا
قراءة دقيقتين

في العنوان أعلاه بعض التعسف أو كثيره. لا يصحّ أن توصف شعوب قارة بكاملها مثل أوروبا بأنها كئيبة، خاصة ونحن نعلم أن دولاً أوروبية تتصدر في كل سنة قائمة البلدان الأكثر سعادة في العالم، وبينها الدولة الصغيرة المساحة فنلندا. ومنذ فترة قريبة كتبنا عن الاستثناء الاسكندنافي، مشيرين إلى حجم الخدمات الاجتماعية، في مجالات الصحة والتعليم والترفيه وسواها، التي تجعل شعوب هذه البلدان، ومن يشابهها في ظروف المعيشة، شعوباً سعيدة.
هذا استدراك لا بد من قوله بداية، ونحن نقرأ ما يقوله الأوروبيون أنفسهم عن شعورهم بالكآبة، فحسب موقع «يورونيوز»، فإن استهلاك مضادات الاكتئاب ازداد بأكثر من الضعف في السنوات العشرين الماضية، وكان الأوروبيون أكبر المستهلكين، وينقل التقرير بيانات لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تفيد بأن استخدام مضادات الاكتئاب زاد بنحو مرتين ونصف المرة من عام 2000 إلى 2020 في 18 دولة أوروبية، ورغم أن التقرير عزا الأمر، في جانب منه، إلى الظروف التي شاعت فترة انتشار وباء «كورونا»، لكنه لم يفد بأن الحال قد تحسنت بعد انحسار الجائحة.
الموقع المذكور أشار إلى أن العالم كله يواجه أزمة صحية نفسية، وأن معدلات الاكتئاب لدى الأوروبيين، على عهدتهم هم أنفسهم، تختلف بين الشباب وكبار السن، وأكثر ضحايا هذا الاكتئاب هم الواقعون في الفئة العمرية من 15 إلى 24 عاماً، وكبار السن فوق 70 عاماً. واستناداً إلى بيانات من مسح صحي أوروبي يُجرى كل ست سنوات، شمل نحو 300,000 شخص من الاتحاد الأوروبي والنرويج وآيسلندا وصربيا، فإن الوضع في فرنسا هو الأسوأ، حيث يعاني ما نسبته 11% من السكان من الاكتئاب، وتلي السويد فرنسا، حيث تبلغ النسبة 10%. أما في جنوب وشرق أوروبا، فالمعدلات أقل، خاصة في صفوف الشباب.
فيما يتصل بكبار السن، أشار التقرير إلى أن أحد أسباب الاكتئاب لديهم فقدان شركائهم في الحياة بسبب تقدّم العمر، فيجد من أصبح أرمل، رجلاً كان أو امرأة، نفسه وحيداً، وقد يؤويه ملجأ للعجزة لا يعوض دفء الحياة مع الشريك، وخصّ التقرير دول أوروبا الشرقية بهذا العامل، دون أن ينفي أنه موجود في البلدان الأخرى أيضاً، فثمة اختلافات بين بلد وآخر، ومنطقة وأخرى، ومنها مستوى الرعاية الاجتماعية.
هذه المعلومات تعيدنا إلى الشكوى التي نسمعها من الكثير من أصدقائنا العرب المقيمين في أوروبا من الجو البارد والعتمة التي تطول كثيراً، وندرة ظهور الشمس في معظم فصول السنة، ما يشعرهم بشيء من الكآبة، وعلى صلة بهذا يقال إن شعوب بلدان البحر الأبيض المتوسط هي الأكثر شعوراً بالبهجة، لأسباب مختلفة، يأتي إشراق الشمس الحنون شبه الدائم في مقدمتها.
[email protected]

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"