د. باسمة يونس
في سعي الشارقة الدؤوب إلى تأسيس هويتها الثقافية وضع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مشروعاً مستداماً جذوره الثقافة للجميع وأدواته تأسيس المكتبات للقراءة والتواصل وحصد المعارف بأنواعها.
وباتت المكتبات، بصفتها مصادر المعلومات الموثوقة ومنصات الثقافة والعلم وقناته الآمنة، تجربة ثقافية شاملة، لا يتمحور دورها في توفير الكتب والمعلومات الموثوقة فقط بل تسهم في تعزيز الوعي المجتمعي وتنمية المهارات الفكرية، وتتيح فرص تفاعل أفراده مع مختلف أنواع المعارف، ما جعلها جزءاً لا يتجزأ من مشهد الشارقة الثقافي وركناً أساسياً في نهجها لبناء مجتمع متقدم قوامه الابتكار والتسامح والحوار.
لقد قدمت الشارقة للعالم نموذجاً يحتذى به في كل معرض ومحفل ومكتبة، دعمت فيه نهضة القراءة وسهلت الحوار الفكري المتواصل وخلقت بيئة حية يتنفس فيها الفكر وتزدهر المعرفة الشاهدة على تجربة استثنائية يلتقي فيها عبق الماضي مع رؤى المستقبل في حوار متجدد لا يتوقف.
ومذ بدأت الشارقة في تأسيس المكتبات رسخت هويتها كعاصمة للثقافة وحاضنة للمعرفة، بدءاً من حصن الشارقة أول مكتبة بنيت على يد الشيخ سلطان بن صقر القاسمي إلى ميدان قصر الثقافة الذي تستقر فيه اليوم كحارسة للمعرفة، وشاهدة على نهضة ثقافية حملت الإمارة إلى مصاف المدن العالمية الرائدة في الفكر والإبداع.
ولا يمكن اعتبار احتفاء الشارقة بمئوية مكتباتها العامة مجرد مناسبة، بل هو تأكيد على نجاح رؤية ملهمة اعتبرت الكتاب أسمى مظاهر الحضارة ومضت في مسيرة ثقافية أضافت للعرب مجداً ثقافياً جديداً، وكما قالت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي: «مستقبل الأمم يبدأ من الكتاب والمعرفة»، فالمكتبات ليست مجرد مخازن لحفظ الكتب بل قاعدة راسخة ومدرسة تعليم مستمر منها تنهض المجتمعات وتطل الأجيال على مستقبل يحمل وعوداً بالنجاح.
ولا تسعى مكتبات الشارقة للاحتفال بقرن من المعرفة فحسب، بل للتأكيد على نظرتها للمستقبل بعين مفعمة بالطموح، فالفعاليات التي تمتد على مدار عام كامل دعوة للمجتمع للمشاركة بأكثر من منصة للحوار والتعلم والتواصل وزيادة المخزون المعرفي والثقافي للإنسان.
وكما تتميز الشارقة بسيرة ومسيرة حافلة بالمكتبات، تشتهر بمشروعاتها والمبادرات المقدمة إلى كل أفراد المجتمع ليعيشوا حياة تنبض بالعلم والإبداع وترتقي بالأجيال عبر ثروة من المبادرات الثقافية والمعارف والعلوم وعصارة الفكر العربي والغربي، وكأنها تتنفس عبر عقول قرائها، وتعيد تشكيل حاضرهم ليصبحوا بناة لمستقبل أكثر إشراقاً، فالمكتبة ليست مخزناً للمعرفة، بل منصة فاعلة للحوار الفكري والتفاعل الثقافي الملهم.
مناسبة اليوم ليست مجرد مئوية للمكتبات، بل مئوية الرؤية والفكرة والهدف الذي آمن بأن الثقافة هي الهوية التي لا تزول، وبأن المعرفة هي الجسر الذي تعبر عليه إلى غد أفضل.
لقد كان الكتاب دائماً وأبداً شاهداً على النهضة في قلب الحضارة العربية، وبالكتب والمكتبات عرفت الشارقة كمنارة ثقافية أعادت تشكيل المشهد الثقافي الإماراتي والعربي، ووضحت أسس وأصول بنائها الحضاري الذي شغلت فيه الثقافة مساحة كبيرة ورفدت الإمارات بالمبادرات الفكرية والأدبية المساهمة في تعزيز الهوية الثقافية للأمة العربية والعالم.
وكما لعبت الشارقة دوراً مهماً في تعريف الأجيال المتعاقبة بقيمة الكتاب كرمز للحضارة، جعلت المكتبة رمزاً ثقافياً وتعبيراً راسخاً عن التزام الإمارة إحياء التراث ودعم اللغة العربية ونشر الثقافة وتسيير قطار المعرفة بين الجميع.
ويعكس انضمام الشارقة إلى شبكات المكتبات العالمية رؤيتها الكونية التي تسعى إلى بناء جسور ثقافية ليس فقط للربط بين أفراد المجتمع والمكتبات المحلية، بل لتصبح مركزاً لتسهيل المعرفة بين الشرق والغرب ورافداً لتمكين المكتبة كوسيط ثقافي لتبادل المعارف وتنوير الفكر عبر العصور.