العنف السياسي

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين

شتّان في المعنى بين العنف والسياسة، لكنّ الممارسات البشرية التي تنحرف بالأشياء عن طبيعتها ومرادها تستطيع أن تجمع النقيضين.
ورأينا خلال الشهور الماضية مجموعة من الممارسات في أكثر من دولة اختلط فيها العنف بمعناه الحقيقي بالسياسة في صورة محاولة قتل ساسة، أو النجاح في ذلك بالفعل، أو محاصرة منشآت واقتحامها، أو السعي لمنع خصوم من الترشح أو الاستمرار في العمل العام.
وكل ذلك تجليات مباشرة لنزوع أفراد أو تيارات للخروج على مقتضيات العمل السياسي من حيث كونه قائماً في الأساس على التعاقب والتداول والقبول للأشخاص والأحزاب والأفكار بناء على اختيارات القاعدة الشعبية وتفضيلاتها المتغيرة من وقت لآخر.
هذه التجليات ليس من ضمنها طبعاً ممارسات أخرى عنيفة في السياسة منها استبعاد مجموعات أو فئة، كالمرأة، في بعض الدول من حقوق العمل العام، وكذلك لا يندرج فيها سعي جماعات مسلحة أو خارجة على القانون لاختطاف القرار في دولة أو مجموعة دول تحت ستار ديني أو غيره.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يكمل شهراً في منصبه، كان هدفاً لمثل هذا العنف عبر محاولات اغتياله أثناء مؤتمراته الانتخابية، بغض النظر عن اعتبار البعض هذه المحاولات عمليات مدبرة من جانبه لرفع شعبيته. وهو أيضاً متهم بالضلوع في ما عُرف باقتحام أنصاره الكابيتول في 2021 وتعطيل جلسة مشتركة لـ «الكونغرس» اعتراضاً على هزيمته في الانتخابات أمام جو بايدن.
ورغم أن هذا الحدث صُنف ضمن أسوأ الممارسات السياسية في التاريخ الأمريكي ونقطة سوداء في مسيرة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ترامب عفا عن الواقفين وراءه مع بداية عودته إلى الحكم.
ولعل هذا ما يجعل البعض يربط بين ترامب والجنوح إلى الممارسات السياسية الحادة والصاخبة، كغيره من الشخصيات الشعبوية المثيرة للجدل الدائم. وإن كان هذا الربط له ما يؤيده في نتائج اقتحام الكابيتول الذي لم يتعامل معه ترامب بجدية أو استشعر خطورته، كفعل مادي عنيف، إلى حد العفو عن أنصاره المدانين فيه، فإنه يمكن استشفافه أيضاً من أدائه السياسي منذ عاد إلى البيت الأبيض.
صحيح أن العنف الذي توصم به تصريحات ترامب ونواياه المعلنة ليس له ترجمات على الأرض، وباقٍ في إطار الخطاب السياسي الحاد، لكن ذلك لا يمنع المخاوف من ظهورها، خاصة في ظل تعدد المستهدفين وخطورة بعض القضايا التي يتطرق إليها ومساس بعضها بسيادة بعض الدول.
في المقابل، يهوّن البعض من أثر هذه الطريقة التي يدير بها الرئيس الأمريكي علاقات بلاده مع دول العالم، معتبرين أن هذا النهج طبع أصيل في شخصه، خاصة حين يتعلق الأمر بتفاوض سياسي أو مالي؛ إذ يبدأ من أقصى المطالب وأكثرها صدامية وصولاً إلى ما يرضيه.
وأياً ما كان الأمر، فإن نهج ترامب مثير لقلق كثيرين في بلاده وخارجها، وينطوي على ما يمكن اعتباره عنفاً لا يليق بالسياسة.

[email protected]

https://tinyurl.com/3775653c

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"