إعداد ـ محمد كمال
من اللافت أن تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف القتال بين إسرائيل وحماس في غزة، لم ينطلق تلقائياً، لكنه يحتاج إلى مفاوضات جديدة، يخوضها الطرفان مجدداً، وهذا بالتحديد ما جعل الاتفاق يوصف منذ الإعلان عنه بـ«الهش»، ما يعني احتمال تجدد القتال في أي لحظة، خصوصاً أنه مازال لإسرائيل قوات كبيرة في القطاع، كما أن مسلحي حماس أظهروا حضوراً واضحاً، فيما وضع محللون عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل غزة ما بعد الحرب، وهو ما يحاول نتنياهو تجنبه.
وبينما يأمل عدد كبير من الإسرائيليين والفلسطينيين بالاستمرار في تنفيذ الاتفاق، من أجل تحرير الرهائن المتبقين، وعودة النازحين إلى ديارهم في غزة ومن ثم البدء في إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار، فإن عدداً من المراقبين الإسرائيليين حذروا من وقوع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نفس الفخ الذي نصبه نتنياهو لسلفه جو بايدن، بعدم الكشف عن خطة لغزة ما بعد الحرب.
ومن المؤكد أن نتنياهو وتحت ضغط اليمين الإسرائيلي المتطرف، يسعى إلى استدراج ترامب إلى الفخ، الذي لم يخرج منه بايدن أبداً، على مدار 16 شهراً من القتال؛ بل وربما وقع فيه بعض كبار مستشاري ترامب بالفعل، بالنظر إلى معقولية الحجج الإسرائيلية.
ـ فخ نتنياهو ـ
ويتمثل فخ نتنياهو في أن إسرائيل لا تستطيع الالتزام بشروط المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن، لأن حماس لم يتم استبدالها بعد بسلطة حاكمة مختلفة في غزة، ومن أجل إنهاء الحرب هناك بشكل حقيقي، كما تقول الحجة، فلابد أولاً من العودة إلى القتال للتخلص من مسلحي حماس، حتى لو جاء ذلك على حساب باقي الرهائن الإسرائيليين في غزة، وفقاً لصحيفة هآرتس العبرية.
وبحسب التقرير العبري، فإن بعض أهالي الرهائن الإسرائيليين أطلقوا على هذه الاستراتيجية الإسرائيلية، مصطلح «فخ ديرمر»، نسبة إلى عضو الحكومة الأكثر قرباً لنتنياهو، وهو وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي يحضر أيضاً اجتماعات البيت الأبيض.
وكانت هناك محاولات لا حصر لها من قبل الحكومات الغربية والعربية لإقناع إسرائيل بالعمل على خطة لغزة ما بعد الحرب، لكن حكومة نتنياهو إما رفضتها بالكامل أو قالت «نعم، ولكن فقط بعد الحرب».
والسبب الرئيسي للتعنت الإسرائيلي يتمثل في قلق نتنياهو من وزراء اليمين المتطرف داخل ائتلافه الحاكم، الذين يحلمون بإفراغ غزة من سكانها الفلسطينيين وبناء المستوطنات الإسرائيلية هناك، لدرجة أنهم يرفضون مناقشة أي خطة أخرى غير التهجير، ونتيجة لذلك، يرفض نتنياهو أيضاً.
ومن الواضح أن أي خطة جادة للتعامل مع غزة بعد حماس لابد أن تشتمل على مستوى معين من المشاركة من جانب السلطة الفلسطينية، التي تظل على الرغم من الانتقادات البديل الواضح لحماس في غزة. ومن خلال رفضه لأي خطة تتضمن مشاركة السلطة الفلسطينية في غزة، يكون نتنياهو قد خلق وضعاً يحقق أهدافه، وهو ما قد يعرقل اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
وبالطبع، ستكون ورقة التفاوض القوية بيد نتنياهو أمام ضغوط ترامب، أنه طالما لم تختف حماس من المشهد في غزة، فلن يمكن إكمال صفقة الرهائن، وبالتالي يتطلب ذلك المزيد من الوقت للقتال، حتى لو تم الإعلان عن تقدم إيجابي في محادثات المرحلة الثانية. ومن ثم فإن اندلاع الحرب مرة أخرى، سيعارض بقوة أهداف ترامب في تحقيق السلام الإقليمي والعالمي، كما أعلن مراراً خلال حملته الانتخابية وبعد توليه الرئاسة.
وبحسب محللين، فإنه يجب على ترامب وفريقه حتى لا يقعوا في فخ نتنياهو أن يضغطوا عليه أولاً لتنفيذ صفقة الرهائن بالكامل، وثانياً، للبدء في العمل على خطة حقيقية لليوم التالي من وقف الحرب، تؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة في غزة.
ـ إلحاح ترامب ورفض التهجير ـ
ومن المحتمل أن تستخدم الإدارة الأمريكية ورقة إعادة الإعمار للضغط على حماس، حيث تتخلى عن السلطة لحكومة فلسطينية بديلة وتسلم سلاحها، في مقابل بدء تدفق شاحنات إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار، والتي قد تستغرق وفق تقديرات الإدارة الأمريكية ما بين 10 إلى 15 سنة. لكن بداية يجب على ترامب ممارسة الضغط على نتنياهو للتنفيذ الكامل للمرحلة الثانية من الاتفاق وصولاً إلى تنفيذه بالكامل في مرحلته الثالثة.
وعلى الرغم من إصرار ترامب وفريقه على مقترح ترحيل أهالي غزة، حتى يتسنى البدء في عمليات إعادة الإعمار، فإن الرفض العربي المعلن والثابت لهذا الموقف، قد يدفع الإدارة الأمريكية للتغاضي عنه، خصوصاً أن أهالي غزة أنفسهم متمسكون بأراضيهم، ولا يرغبون في المغادرة حتى لو كانت معظم منازل غزة ومرافقها قد تعرضت للدمار. كما أن هؤلاء الأهالي من الممكن أن يمثلوا دوراً كبيراً في تسريع عمليات الإعمار، مع توفير أماكن إقامة وخيام مؤقتة لهم على أراضيهم.
ومن المعروف عن ترامب منذ إدارته الأولى، تكرار ما يراه صفقة محتملة يمكنها تنفيذ أهدافه حتى لو رفضت الأطراف الأخرى هذا المطلب، وقد ظهر ذلك واضحاً على سبيل المثال، في طلب ضم جزيرة غرينلاند إلى الولايات المتحدة، أو حتى دعوة كندا لأن تصبح الولاية 51 لأمريكا، وبالطبع لم يكن مقترح نقل بعض أهالي غزة إلى مصر والأردن ببعيد عن طبيعة ترامب، ولا يعني ذلك احتمال الرضوخ أمام مقترحه المكرر وتلويحه بالضغط لتنفيذه.
ـ غزة ما بعد الحرب ـ
خلال ما يقرب من 16 شهراً من الحرب في غزة، ناقش السياسيون والمحللون المقترحات المتنافسة لحكم قطاع غزة بعد الحرب، لكن لم يظهر اتجاه واضح مع استمرار القتال.
وبموجب شروط وقف إطلاق النار، من المفترض أن تنسحب إسرائيل تدريجياً من غزة، لكن قواتها لا تزال تحتل أجزاء رئيسية منها، ويريد اليمين المتطرف في إسرائيل توسيع تلك السيطرة، حتى لو كان ذلك يعني استئناف الحرب، بينما تسجل حماس وجوداً، وتعد الطرف الرئيسي في المفاوضات الجارية، في حين تقدم السلطة الفلسطينية نفسها بصفتها بديلاً لإدارة القطاع.
والأيام الماضية، أعلنت شركة أمن أمريكية خاصة، إرسال 100 من عناصرها وهم جنود سابقون في الجيش الأمريكي لإدارة نقطة تفتيش في غزة، تزامناً مع بدء عودة النازحين إلى شمال القطاع. ويقول بعض المسؤولين الإسرائيليين إن هذا النشاط يمكن أن يتطور إلى إشراف دولي، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
وبالنسبة لأغلب الإسرائيليين، فإن وجود حماس على المدى الطويل أمر غير مستساغ، لكن قد يقبل البعض ذلك إذا قامت بإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين المحتجزين في غزة، وهو بالطبع عكس رغبة اليمين الإسرائيلي في ضرورة إجبار حماس على الخروج.
ـ خروج حماس طواعية ـ
ومن بين الاحتمالات المطروحة، أن تتنازل حماس عن السلطة طواعية لصالح قيادة فلسطينية بديلة، حتى تتدفق المساعدات الدولية من أجل إعادة الإعمار، بدلاً من الاستمرار في إدارة أرض قاحلة لا يمكن حكمها. وفي المحادثات التي توسطت فيها مصر، قال مبعوثو حماس إنهم قد يسلمون المسؤوليات الإدارية إلى لجنة من التكنوقراط الفلسطينيين، لكن من غير المرجح أن تقوم بحل جناحها المسلح حتى لو توقفت عن إدارة الشؤون المدنية في غزة.
وعندما بدأ وقف إطلاق النار في الشهر الماضي، احتفظت إسرائيل بالسيطرة على المنطقة العازلة على طول حدود غزة. ولإنهاء الحرب وتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن في غزة، تحتاج إسرائيل في نهاية المطاف إلى إخلاء هذه المنطقة. ولكن هذا أمر من الصعب قبوله بالنسبة لأعضاء داخل حكومة نتنياهو، ما يعني أنه قد يمدد الوجود الإسرائيلي في غزة، وهو بالطبع ما يلزمه دعماً قوياً من الإدارة الأمريكية.
ولا تزال السلطة الفلسطينية التي فقدت السيطرة على غزة عام 2007، البديل الفلسطيني الجدي الوحيد لحماس. لكن البعض يتهمها بالفساد، كما أن وجودها الناجح في غزة إلى جانب الضفة الغربية سيحيي بقوة فكرة حل الدولتين، وهو ما قد يعرقله اليمين الإسرائيلي المتطرف. ومع ذلك، بدأ ممثلو السلطة العمل بهدوء في جزء من غزة مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، عن طريق المشاركة في عمليات فتح معبر رفح بين غزة ومصر، ومن ثم فإن نتنياهو وتحت ضغط الإدارة الأمريكية قد يرضخ أخيراً لحل السلطة الفلسطينية في ظل رقابة دولية بغزة.