تقول العبارة السحرية في مسرحية «فاوست» للشاعر الألماني غوته (1749 – 1832): «توقفي أيتها اللحظة فإنك بالغة الجمال».
المسرحية مستوحاة من حكاية شعبية ألمانية عن رجل كيمياء اسمه فاوست، يُبرم عقداً مع الشيطان، فيسلم إليه روحه مقابل الحصول على المعرفة المطلقة. ولأن طرف العقد الثاني هو الشيطان بكل خبثه ولؤمه، فإنه يُضمّن الاتفاق بنداً ينصّ على فسخ العقد تلقائياً، إذا ما تمنى فاوست «تخليد لحظة معينة»، بأن نطق بالعبارة السحرية إياها.
وغاية غوته من عمله الشهير هذا الذي خلده الزمن وبات العمل الأبرز في الأدب الألماني، وله صيته في الأدب العالمي، اكتشاف جوهر الحياة الحقيقي جامعاً بين الأدب والفلسفة. ويقال إن غوته كتب نصّه على مرحلتين، تفصل بينهما نحو ستة وعشرين عاماً؛ حيث أنجز الجزء الأول في عام 1806، وألحقه بالجزء الثاني في عام وفاته 1832.
لا شأن لنا بالشيطان، فليذهب إلى الجحيم، لكنّ لنا شأناً بعبارة غوته على لسان فاوست: «توقفي أيتها اللحظة فإنك بالغة الجمال»، لأنها تحملنا، من حيث لا ندري، إلى أن نسأل أنفسنا عن اللحظات فائقة الجمال التي كم تمنينا، وربما ما زلنا، لو أنها لم تكن مجرد لحظة، وإنما سيرورة دائمة في الحياة.
لله درك يا غوته، لأنك وفي غمرة اهتمامك بفاوست وعقده الملتبس مع الشيطان، وضعت على لسان بطل نصّك تلك العبارة السحرية التي حملتني شخصياً على تذكر عبارة، لا أعلم إن كنت قد قرأتها أو سمعتها على لسان امرأة تقول: «السعادة ليست هي ما نطمح إليه؛ بل هي ما عشناه»، فهل تراها كانت يائسة من مجيء سعادة محتملة، ممجدة اللحظات فائقة الجمال التي أرادت لها، مثل فاوست، أن تبقى ولا تزول، أم أن المعنى أعمق من كل هذا؟ فلعلنا لا نشعر بالسعادة إلا بعد فقدانها. حين نكون داخلها، فإننا نكتفي بالاستمتاع بها من دون أن ندرك تماماً أنها هي السعادة ذاتها ولا شيء آخر سواها.
عقدنا العزم على الأخذ بما قالته السيدة أم كلثوم، بكلمات الشاعر السوداني الهادي آدم، وألحان محمد عبد الوهاب: «قد يكون الغيب حلواً إنما الحاضر أحلى»، وبالتالي فإننا: «للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا.. ليس إلا»، لكن من الشعراء من عزّ عليه أن يخرجنا من الحيرة، فها هو بيت الشعر المنسوب إلى المتنبي يقول: «إنِّي أرى قادم الأيام تحملُ غايتي/ وما صبري هذه الأيام إلا تأنيّا»، فيما الشاعر ديك الجن ينصحنا بالتالي: «لا تنظرنَّ اليومَ لهواً إلى غدٍ/ ومن لغدٍ مِنْ حادِثٍ بأَمانِ»، أما مهيار الديلمي فيرى: «إذا حوى اليومَ غُنماً لم يدع لغد/ٍ حظاً وعند غدٍ شأن وتغييرُ».
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







