ترامب.. والأفكار الخيالية

02:09 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السويجي

لا يمكن المرور مرور الكرام على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن قطاع غزّة، وتهجير مليونين وثلاثمئة ألف من سكانه، بحجة أن القطاع لم يعد صالحاً للسكن، ولا يمكن الحديث بلسان العامة البسطاء أن ترامب يطلق مفرقعات وقنابل صوتية ليشغل العالم بها وبقراراته الغريبة، وفي السياق، لا يمكن التغاضي وغض الطرف عن حفاوة الاستقبال التي قوبل بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند زيارته للولايات المتحدة، إلى درجة أنه، أي ترامب، رئيس أقوى دولة في العالم، كان يقف خلف نتنياهو ويدفع كرسيه إلى الأمام، في حركة مقصودة وواضحة تماماً، إضافة إلى التصريحات الداعمة لإسرائيل.
ولا نريد التّوقّف عند تصريحاته بشأن كندا أيضاً، وتحويلها إلى ولاية أمريكية، لكن يمكن اعتبار هذا التصريح الأخير بالخيالي والسريالي، لأننا إذا دخلنا العقل الترامبي، سنجده يطمح إلى تحويل دول العالم إلى ولايات أمريكية، وفي الواقع، أن بعضها كذلك من حيث التبعية والدوران في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، سياسياً واقتصادياً. ولو تحدّثنا عن الأحلام الترامبية لما انتهينا.
في عهد ترامب، وحسب العقل الترامبي، سيضحك الجميع لو تحدثنا عن القانون الدولي، أو محكمة العدل الدولية، أو أي منظمة تابعة للأمم المتحدة، لأنه لا يكترث بذلك، ومستعد أن يفرض عقوبات على المحكمة، أو حتى الانسحاب من الأمم المتحدة ذاتها، وهي عقلية (هوليودية رامبوية) ليس لديها خطوط حمر، وهذا، كما يبدو، ما يحلم به بالنسبة لقطاع غزة.
وصفٌ واقعيّ أن قطاع غزة لا يصلح للسكن والإقامة الآن، لأن 80% من بيوته وبناياته ومؤسساته قد دُمّرت، وجزء كبير منها سُوّي بالأرض، ولو دققنا النظر، سنجد أن التدمير المنهجي انصبّ على المخيمات في القطاع، نعم هناك لاجئون فلسطينيون يسكنون قطاع غزة، وهاجروا إليه، بعضهم من جنوب فلسطين، وبعضهم من الوسط، وذلك بعد عام 1948، وهو العام الذي سيطرت فيه إسرائيل على كامل فلسطين باستثناء الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد بقيتا تحت الإدارتين الأردنية والمصرية، لكن حدثت هجرة أخرى بعد حرب 1967 حين سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة لتصبح كامل فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي.
ويحق لنا، كمتابعين، التساؤل، هل تدمير مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وتهجيرهم إلى الأردن ومصر، يأتي في إطار صفقة القرن التي ازدهر الحديث عنها خلال ولاية ترامب الأولى، ويمكن تلخيص الصفقة (في حل القضية الفلسطينية بإقامة دولة فلسطينية من دون جيش في الضفة الغربية وقطاع غزة، وقيام مصر بمنح أراض إضافية للفلسطينيين من أجل إنشاء مطار ومصانع وللتبادل التجاري والزراعة، من دون السماح للفلسطينيين بالعيش فيها وسيتم الاتفاق على حجم الأراضي وثمنها، كما سيتم إنشاء جسر معلق يربط بين غزة والضفة لتسهيل الحركة..)، ولم يتم إعلان الصفقة رسمياً، لكن الجانب الفلسطيني رفضها، كما رفضتها إسرائيل. ويقول محلّلون إن الرئيس ترامب أراد أن يحيي تلك الصفقة بإعلانه تهجير سكان غزة، وربما لا يقصد التهجير الكلّي إنما الضغط على مصر والأردن وبقية الأطراف المعنية، للموافقة على خطته الأولى التي وُصفت ب (خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط). ويمكننا العودة إلى التساؤل، لأننا لا نملك غيره، إذ لم يقدّم أحد وبشكل رسمي أي مقترح جاد وحقيقي لحل القضية الفلسطينية، والتساؤل هو: هل ما حدث من تدمير منهجي للقطاع كان يصبّ في صفقة القرن، أم كان ردة فعل عنيفة فقط من قبل إسرائيل رداً على عملية السابع من أكتوبر؟
في كل الأحوال، يقول مبدأ التفاوض: (اطلب الكثير لتحصل على القليل)، ونحن نعلم أن ما طلبه ترامب هو الكثير، ولكننا لا نعلم ما هو القليل الذي ينوي تحقيقه، من المؤكد أنه ليس السيطرة على قطاع غزة و(ملكيتها لأمد طويل)، لأن الفكرة خيالية، كما أن البائع والمشتري غير مؤهلين وغير قانونيين لإبرام الصفقة، فأرض قطاع غزة أرض فلسطينية باعتراف المجتمع الدولي ومحكمة العدل الدولية، إلا إذا كان ترامب لا يعترف بالمجتمع ولا بالمحكمة ولا بالمنظمات التابعة للأمم المتحدة، كما فعل بوكالة الأونروا، ومنظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
وبتفكير جهنّمي، إذا أراد ترامب تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ما عليه إلا منع دخول المساعدات ومتطلبات البقاء إلى قطاع غزة، وإغلاق المعابر بشكل تام، ثم بعد أسابيع يفتح معبر رفح، وسيجد سكان القطاع في مدينة رفح المصرية، عندها ستكون مذبحة بشرية غير مسبوقة وستكون إبادة القرن الواحد والعشرين.
الفلسطينيون على الصعيد الرسمي اعترفوا بإسرائيل حين وقّعوا اتفاقية أوسلو قبل ثلاثين عاماً، وتحقيق السلام لا يتطلب أكثر من تنفيذ إسرائيل للاتفاقية، وترك الفلسطينيين يبنون دولتهم ويقررون مصيرهم، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية، أن تقتنع ببساطة، باستحالة القضاء على الشعب الفلسطيني، إذ لم يسبق أن قُضي على شعب في التاريخ، فكيف بالفلسطينيين الذين أثبتوا تمسّكهم بأرضهم في ظل أقسى الظروف. الحل في تحقيق السلام العادل وليس التهجير.
[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"