هل نقول الآن، بعودٍ وناي ودفّ:«جزى الله الشدائد كلّ خيرٍ»؟
طربتْ نفوسنا قبل آذاننا لعزم العرب على عقد قمّة في سبيل اتخاذ موقف مشترك ممّا يحاك لغزّة. لا سامح الله القلم، الذي كلّما جاء ذكر جذر لغوي، وجد فيه وخزةً أو لكزةً أو نكزةً أو وكزةً. منذ أمد بعيد، نسينا حتى متى كان، لم نسمع بعربي جرى على لسانه، ولو في هفوة أو زلة، العمل العربي المشترك. ما كاد الأمل يطير بالفؤاد شادياً:«رُدّتِ الروح على المضنى معكْ..أسعد الأيام يومٌ أرجعكْ»، حتى أثار عاصفة نكد: حذار الإسراف في العواطف، فالمشترك مشتق من ثلاثي«شَرَك»، فانتبه أين تضع قدمك، لا تقعنّ في الشَرَك. حمى الله القوم من الوقوع في الشَرَك.
أعظم ما يمكن أن يوضع على جدول أعمال القمة العربية المقبلة، عاجلاً أو آجلاً، هو اغتنام الفرصة في لمح البصر، لوضع أسس عقد استراتيجي تنموي لا رجعة فيه. الميثاق التنموي سيكون دافعاً تلقائياً إلى قيام مصالح مشتركة، وستفضي المنافع المتبادلة إلى بناء عناصر مناعتها، وستكون المجموعة العربية بلا ريب أقدر على الدفاع عن وجودها مجتمعةً، ممّا لو كانت متفرقةً متشظيةً. لا بدّ من تجربة التخلي عن رومانسيات المثالية في العلاقات البينيّة العربية. لا وجود لفراديس الأحلام في روابط الدول. المهمّ هو الوصول بالأواصر إلى قصب السبق المشترك: رابح، رابح. تدريجياً، ستظهر المشاريع العملاقة، وستفاجأ الأمّة بطلائع عودة العقول المهاجرة، عندما تشرق مراكز البحث العلمي. عندئذ سيتحقّق الشعار الدّبوي الإماراتي:«استئناف الحضارة».
بصراحة: شكراً للعالم، فقد أهدى إلى العرب ما لا يُقدّر بثمن. في أوج بلوغ القلوب الحناجر، واحتدام الصدمة والترويع، أربكت الأقدار مستشاري الإمبراطور، فارتكبوا خطأً جسيماً، لأنه حين يكون الهدف يتجاوز كل الحدود في السوء، تنبعث الحماقة لتبدع سخرية التاريخ. الزلّة النكراء كانت:«عليّ وعلى حلفائي وأعدائي والجميع». صاحت الأطراف المتقاربة والمتضاربة: ترابنا السيادي ليس للبيع، قناتنا لا تباع، إذا ضربتم بضرائبكم، ضربنا بضرائبنا، والبادئ أظلم، بل إن لتلك الهدايا قيمةً مضافةً، فقد علت من الشرق والغرب أصوات تندّد،لا كالتنديد الذي ألفناه عقوداً، بمحاولة تحويل قضايا مصير الشعوب إلى صفقات عقارية، يصاحبها الإلقاء بالملايين أصحاب الأرض إلى أم قشعم.
من روائع فلسفة التاريخ، أن القوى العظمى عندما تبدأ في الانحدار، تصاب بالحماقة، فلا ترى المهاوي.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاغتنامية:على العرب ألاّ يتركوا هذه الفرصة العظيمة تفلت، لإعادة الروح إلى العمل المشترك.
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







