عادي
في شاعرية البصر

«الثلث الديواني».. توازن الحروف يخطف العين

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
أكرم جرجس

الشارقة: عثمان حسن

إن تأكيد فرادة الخط العربي بوصفه من أهم وأبرز الفنون الإسلامية، هو مسار متجدد عند الخطاطين العرب الذين يواصلون تقديم تجارب خطية على مستوى رفيع من الناحية الجمالية والبصرية، ومن هؤلاء الخطاط العراقي أكرم جرجس الذي سبق وشارك في ملتقيات كثيرة للخط، ومنها ملتقى الشارقة للخط في عام 2022، حيث قدم لوحة تتضمن نص الآية القرآنية ﴿ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
خط جرجس هذه اللوحة بالخط الثلث الديواني، هذا الخط الذي بشهادة الخبراء المتخصصين في الفنون الإسلامية «وكأنه قد اختزل فن الخط العربي كله» لكثرة الاشتغال عليه من قبل الخطاطين الذين يبرعون في كل مرة بتقديم اقتراحات بصرية جمالية تضيف إلى ما سبق من الجماليات التي استثمرت في هذا الخط على وجه الخصوص.
استثمر الخطاط جرجس جماليات الثلث الجلي ومنها على سبيل المثال اعتماد هذا الخط، على أسس تصميمية ترتكز على خاصية التوازن بين حروفه، خاصة مع تلك المقاطع المتشابهة من هذه الحروف الملفوفة كاستدارات، وأيضاً بما يحققه هذا الخط من توازن من حيث التوزيع، وما يزيد من جمال هذا الخط، وكما هو واضح في اللوحة التي أمامنا هو ذلك التوازن الجمالي بين حرفي ( الراء والميم) كما يظهر في الكلمات (ذلكم خير لكم)، حيث تظهر بوضوح قدرة الخطاط على تحقيق ذلك التوازن في هذين الحرفين كما يظهر في الراء بين الميمين، كما أن هذا التناسق الشكلي البديع نجده موزعاً على مساحة اللوحة من خلال حروف أخرى، كحرف الكاف الذي ورد في الكلمات (ذلكم، كنتم، ولكم) الكاف، هنا، تأتي، واحدة منها علوية في رأس اللوحة الخطية تتناسق جمالياً مع كافين تحتها على نحو جمالي واضح.
وزع جرجس نص الآية القرآنية، مستفيداً من تلك الدلالات الروحية التي يحملها النص، لتكتسب اللوحة مزيداً من عناصر الوضوح في كتابة حروفها وكلماتها، مع حرصه على تشابك هذه الحروف ومزجها، كما اجتهد في ملء الفراغات بالحركات مثل الفتحة والضمة والسكون وغيرها.
استثمر الخطاط خاصية التوازن في هذه اللوحة من خلال حرصه على توظيف مجموعة من القيم الجمالية التي يتيحها تكوين الخط الثلث الجلي، فهو وزع على نحو بارع التشكيلات الحروفية للنص الديني وفق رؤية تحرص على عدم تكثيف التشكيلات البصرية في جانب من اللوحة على حساب الآخر، بالشغل على تلك العلاقات داخل بنية الحروف، ومن حيث إمكانية تداخل الحروف واشتباكها واتصالها في ما بينها، فظهرت هذه اللوحة الخطية المزخرفة تشبه تحفة جمالية قائمة بذاتها، على نحو شعري ودلالي يشبع عين المشاهد بكل أسباب السحر والجمال.
زخرفة
حرص أكرم جرجس على استكمال جماليات اللوحة بمزيد من عناصر الجمال من خلال الزخرفة النباتية التي جاءت بأشكال وألوان مختلفة، فهو أولاً قد كتب نصه باللون الأسود وما يعكسه من متانة وقوة من حيث دلالة النص، واستعان بمعرفته بفن الزخرفة التي بدورها أضفت مسحة جمالية بصرية في عين المشاهد، فقد خط وحدة زخرفية باللونين الأحمر والأزرق في الركنين المتقابلين في أعلى اللوحة، وسورها بشريط مزخرف رفيع، في داخل إطار زخرفي نباتي أكثر سماكة، ولعل الناظر في اللوحة يلحظ ذلك التناغم البصري والمميز لفن الزخرفة الذي يخطف الأبصار، بما حملته هذه التشكيلات الزخرفية من إبداع وابتكار، ولكون الزخرفة أيضاً فناً تجريدياً يبتعد كل البعد عن استخدام الرسومات الحية، فظهرت اللوحة في حلة من الجمال الأخاذ والبراعة في تصميم التكوين.
إضاءة
أكرم جرجس فنان عراقي ولد في 1969، أنهى شهادة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد في عام 2001، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل واصل دراسته لينهي درجتي الماجستير والدكتوراه في التخصص نفسه. وهو عضو في نقابة الفنانين العراقيين، والجمعية المصرية العامة للخط العربي.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"