د. باسمة يونس
إذا أردنا للجوائز الأدبية أن تؤدي دورها الأعمق يجب أن لا تتوقف عند لحظة إعلان الفائزين، بل تتحول إلى مختبرات دائمة للإبداع والاستمرار والتجديد والتطور.
فكما تتيح هذه الجوائز للكتاب الناشئين الوصول إلى القراء ودور النشر وتعزز فرصهم في تحقيق حضور قوي في المشهد الأدبي، يجب أن تصبح مسارات مفتوحة لتجديد الحراك الثقافي وليست نهايات مغلقة، فالأدب الحقيقي لا يُولد من لحظة تتويج، بل من رحلة طويلة من المحاولات والتحديات والإصرار على تجاوز كل عثرة وتحويلها إلى خطوة نحو مزيد من الإبداع.
وكما أن الجوائز اعتراف بموهبة الكاتب، لكن دورها الأهم ليس في منح التكريمات وإعلان الفائزين على منصة تتويج في لحظة عابرة، بل عملية مستدامة ومختبر دائم للإبداع يفتح أمام الكتّاب آفاقاً جديدة من التقدير والانتشار واكتشاف المواهب الجديدة بصفتها عيون الثقافة التي تلتقط المبدعين الجدد وتمنحهم فرصة الظهور والتألق.
ومن أجل أن تحقق الجوائز هذا الدور بفاعلية لا بد من توسيع معايير التحكيم لتشمل التنوع في الأصوات والأساليب، وعدم الاكتفاء بالمألوف والمعتاد، فالانفتاح على تجارب كتابية جديدة تخرج عن الأطر التقليدية من شأنه أن يخلق بيئة أدبية أكثر ديناميكية، تسهم في تطوير الأدب بدلاً من تكرار نماذجه المعروفة.
ويجب ألا تكون الجوائز الأدبية محطات نهائية، بل تعمل كحلقات متواصلة في مسيرة الكاتب، وهو ما يتطلب إعادة التفكير في طبيعتها بحيث لا تقتصر على مكافأة الفائزين، بل تمتد إلى خلق مساحات نقدية وتحليلية تسهم في صقل مهارات المشاركين جميعاً، سواء فازوا أم لم يحالفهم الحظ من خلال تنظيم ورش نقدية مرافقة للجوائز، ما يساعد المشاركين على تطوير كتاباتهم، وتحسين نقاط ضعفهم، وتعزيز نقاط قوتهم، إضافة إلى تقديم منح إبداعية تتيح لهم التفرغ لمشاريعهم الأدبية.
وعلى الجوائز أن تكون أكثر من مجرد حدث سنوي، بل عملية تمكين للكتاب من الفائزين أو المشاركين من العمل على مشاريعهم الجديدة تحت إشراف كتاب ونقاد مخضرمين وتحفيزهم على الاستمرارية حتى لو لم يفوزوا بالجائزة، لأن القيمة الحقيقية للأدب لا تُقاس فقط بالفوز، بل بمدى استمرارية الإبداع وتطوره.
وكثيراً ما يقع الكتّاب في فخ الحكم على أنفسهم من خلال نتائج الجوائز، فالفائز يظن أنه وصل إلى قمة المجد، بينما من لم يفز قد يصيبه الإحباط ويعتقد أن محاولته لم تكن جديرة بالاهتمام. وهنا تأتي أهمية ترسيخ ثقافة التعامل مع الجوائز كجزء من رحلة الكتابة، وليست غايتها النهائية، ونشر وعي جديد بين الكتّاب مفاده أن الجوائز لا تقيّم القيمة المطلقة للعمل الأدبي، بل هي جزء من عملية انتقائية تحكمها عوامل عدة.
[email protected]