عادي
تحت عنوان «يهودا والسامرة»

مخطط أمريكي إسرائيلي لمحو الضفة الغربية

01:41 صباحا
قراءة 5 دقائق

إعداد ـ محمد كمال
في حين ينشغل الرأي العام العالمي بالتصدي لخطة تهجير مليوني فلسطيني من غزة تمهيداً لفرض سيطرة أمريكية يعتبرها مراقبون تحكماً إسرائيلياً ضمنياً في القطاع، فإن مشروعاً آخر أكثر جدية وواقعية يجري حالياً على الأرض لضم إسرائيل للضفة الغربية، تزامناً مع وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدعم مخطط الضم ومساندة المشرعين الجمهوريين بمشروع قانون يلغي تماماً مسمى الضفة الغربية من الوثائق الرسمية الأمريكية، وهو يعتبر ناقوس خطر للقضاء نهائياً على «حل الدوليتن».
وعلى وقع العملية العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية والتي لا تقل ضراوة عن حرب غزة، يستعد مشرعون إسرائيليون لتقديم قانون حظي بموافقة لجنة تشريعية في الكنيست بالفعل، يقضي باستبدال اسم الضفة الغربية بـ«يهودا والسامرة»، الاسم التوراتي لهذه المنطقة الفلسطينية، وهو تماماً ما حدث قبل أيام في الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، حيث تقدم المشرعون الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ بمشروع قانون مماثل يحظر استخدام اسم «الضفة الغربية» في الوثائق الحكومية الأمريكية.
ـ اختفاء مصطلح الضفة الغربية
وبعيداً عن مشروعي القانونين الأمريكي والإسرائيلي، فإن استخدام مصطلح «الضفة الغربية» شبه مختفي رسمياً في إسرائيل، لدرجة أن المرة الأخيرة البارزة التي ذكرته تعود إلى إعلان الجيش الإسرائيلي الصادر في 7 يونيو/حزيران 1967 بشأن الحكم العسكري، حيث استخدم مصطلح «الضفة الغربية»، وفي العام التالي، أشارت القوانين إلى «المناطق» التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي دون ذكر الضفة الغربية، ثم توالى استخدام المصطلح التوراتي «يهودا والسامرة»، خصوصاً في المدراس ووسائل الإعلام العبرية وفي أوساط الأحزاب اليمينية المتطرفة.
وإضافة إلى خطوات استخدام الاسم التوراتي فإن الكنيست يشهد أيضاً مشروع قانون لتسهيل شراء المستوطنين لأراضي الضفة الغربية مباشرة من الفلسطينيين، وترى الحجج اليمينية المتطرفة إلى أن الهدف من ذك هو تصحيح الأوضاع.
ـ الضم التدريجي
ويحظى الضم التدريجي بشعبية كبيرة، حيث تقدّم حزب «إسرائيل بيتنا»، وهو حزب يميني معارض بمشروع قانون مؤخراً لضم غور الأردن، وهو قطاع استراتيجي يمتد شرق الضفة الغربية على طول حدودها مع الأردن، ويمثل نحو 30% من مساحتها، ويشكل لها أهمية إستراتيجية واقتصادية، فهو سلة غذائها وحدودها الدولية الوحيدة ومنفذها إلى العالم والشهر الماضي، أفادت تقارير عبرية بأن إسرائيل تعمل على تطوير خطة لإنشاء 3 مستوطنات جديدة في غور الأردن، والتي ستشمل حوالي 10,000 وحدة سكنية، كما أقر الكنيست بقراءة تمهيدية لمشروع قانون يتيح للإسرائيليين تملك أراضٍ في الضفة الغربية بغير موافقة الجيش ويتزامن ذلك مع تكثيف العمليات العسكرية.
في عام 2020، قدم المشرع من حزب الليكود يوآف كيش مشروع قانون لبسط السيادة الإسرائيلية على جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، واللافت أن هذا المشرع يشغل الآن منصب وزير التعليم في إسرائيل، حيث لا يوجد في أي خريطة بالمدارس الإسرائيلية أي ذكر للأراضي الفلسطينية، ولا الخط الأخضر الافتراضي الذي يشير إليها، ثم قدمت أحزاب أخرى أشد يمينية مشروع قانون لضم الضفة الغربية بكاملها، دون استخدام هذا الاسم أصلاً.
وكان الإعلان الأكثر فجاجة، والذي أشار صراحة لاستراتيجية الضم طويلة المدى، لمحو الدولة الفلسطينية المستقبلية، كان في إعلان المبادئ التوجيهية للحكومة الإسرائيلية السابعة والثلاثين التي تشكلت في ديسمبر عام 2022.
ـ إشارة ترامب الخضراء
ويبدو أن تصريحات دونالد ترامب قد شجعت الأحزاب والحكومة الإسرائيلية على تسريع تحركاتها لضم الضفة الغربية، حيث قال ترامب بكلمات ناعمة، أثناء استضافته رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي في البيت الأبيض: إنه سيصدر إعلاناً بشأن مسألة ضم الضفة الغربية في غضون أسابيع قليلة، ثم رد بعد ذلك عندما سئل عما إذا كان يدعم الضم، بصوت مبتهج إن الأمور ستسير بشكل جيد.
وعززت عودة ترامب إلى السلطة، المشرعين اليمينيين في إسرائيل والولايات المتحدة الذين يدعمون ضم إسرائيل للضفة الغربية، وهي أرض محتلة ينظر إليها الفلسطينيون والمجتمع الدولي منذ فترة طويلة على أنها جزء من دولة فلسطينية مستقبلية.
ويهدف الاقتراح اللغوي إلى تعزيز ودعم مطالبة إسرائيل بالأراضي التي استولت عليها في عام 1967 واحتلتها عسكرياً منذ ذلك الحين ويأتي ذلك في الوقت الذي يشن فيه الجيش الإسرائيلي غارات مكثفة في المنطقة والتي يقول: إنها تهدف إلى القضاء على المسلحين، لكن من الواضح أن ثمة هدف خفي، وهو التدمير ثم السيطرة.
وعلى سبيل المثال فقد قال السيناتور الجمهوري توم كوتون في بيان حول التشريع: «إن الحقوق القانونية والتاريخية للشعب اليهودي في يهودا والسامرة تعود إلى آلاف السنين ودعا الولايات المتحدة إلى التوقف عن استخدام مصطلح الضفة الغربية، لكن الكثير من المحللين يعتبرون أن مصطلح يهودا والسامرة هو الذي يعكس أجندة سياسية.
ـ أصدقاء يهودا والسامرة الأمريكيين
النائبة الجمهورية كلوديا تيني، وهي راعية أخرى لمشروع القانون، أعلنت مؤخراً عن إنشاء مجموعة في الكونغرس، باسم «تجمع أصدقاء يهودا والسامرة» لتعزيز السياسات التي تدعم المطالبات الإسرائيلية بهذه الأرض. وقالت في بيان: إنه من خلال تقديم مشروع القانون وإنشاء التجمع،«نعمل على إعادة تأكيد مطالب إسرائيل».
ومشروع القانون الأمريكي تم تقديمه لأول مرة العام الماضي، لكنه عاد للواجهة مرة أخرى وسط ديناميكيات متغيرة بشكل جذري في واشنطن، حيث أبدى ترامب دعمه القوي لإسرائيل، كما يسيطر الجمهوريون الآن على الكونغرس بأغلبية ضئيلة في مجلسي النواب والشيوخ. وقد أشار ترامب صراحة إلى دعمه للسياسات الإسرائيلية التوسعية، واقترح في ولايته الأولى ضم إسرائيل لجزء كبير من الضفة الغربية.
وأثناء لقاء نتنياهو في البيت الأبيض، روج ترامب لفكرة الضم بطريقة ذكية جداً، حيث قال رداً على أحد الصحفيين: «إنها إسرائيل بالتأكيد دولة صغيرة من حيث المساحة..»، واستخدم تشبيهاً لتوضيح وجهة نظره، حيث قال: «مكتبي هو الشرق الأوسط، وهذا القلم.. سن القلم، هو إسرائيل، هذا ليس جيدًا، أليس كذلك؟ إنه فرق كبير جداً».
ومنذ أن سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية، استقر مئات الآلاف من المدنيين الإسرائيليين هناك بموافقة حكومية ضمنية وصريحة، ويعيشون في ظل القانون المدني بينما ظل الفلسطينيون يخضعون للقانون العسكري ولديهم حقوق أقل وقد أدى تزايد عدد وحجم المستوطنات إلى تآكل الأراضي المتاحة للفلسطينيين بشكل مطرد.
وينظر المجتمع الدولي إلى حد كبير إلى المستوطنات الإسرائيلية على أنها غير قانونية، ويؤكد الفلسطينيون منذ فترة طويلة أنها عملية ضم زاحفة، وتحول الأراضي اللازمة لإقامة دولة مستقلة إلى خليط لا يمكن السيطرة عليه. لكن في عام 2019، أعلنت إدارة ترامب الأولى أن الولايات المتحدة لا تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير قانونية.
ـ نسف حل الدولتين
وعلى الرغم من دعم الجمهوريين لحركة الاستيطان، فقد أثارت النقاشات حوله قلقاً لدى بعض جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في واشنطن بشأن آفاق إسرائيل للسلام على المدى الطويل ويقول جيريمي بن عامي، رئيس المجموعة اليهودية المناصرة للسلام جي ستريت: «إنه اقتراح لتأكيد السيادة الإسرائيلية عليها.. هذا ما يسمى الضم، وهو ليس فقط غير قانوني بموجب القانون الدولي، ولكنه ناقوس الموت لأي أمل في استقرار الأوضاع».
وفي حين اعتقلت السلطات الإسرائيلية 3 شبان فلسطينيين في القدس لبيعهم كتاب أطفال ملون بعنوان «من النهر إلى البحر»، فإن الواقع العملي يثبت أن إسرائيل تسعى بخطوات متسارعة لتنفيذ هذا التصور الخطر.
ويقر تقرير لصحيفة هآرتس العبرية، المشكلة في أن إسرائيل تنفذ رؤيتها الخاصة بمشروع «من النهر إلى البحر» حيث تعمل جاهدة على توسيع المستوطنات والبنية التحتية الداعمة لها، ونقل السلطات العسكرية في الضفة الغربية إلى الأذرع المدنية للدولة الإسرائيلية، ودفع الجيش الإسرائيلي إلى المدن الفلسطينية مثل طولكرم وجنين.

https://tinyurl.com/56me4y6y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"