تزييف حصري

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

لا يكاد باب للتوبة ينفتح أمام التيارات المارقة في عالمنا العربي، إلا وتسارع إلى سده، ولا تسنح فرصة لإطفاء حرب إلا أوقدتها.
ولم يعد ذلك مثيراً للاستغراب، فهذه التيارات، بما تنطوي عليه من جماعات وأفراد موصوفين بالمتعاطفين معها أو مدّعي حياد، تعتاش على الأزمات والتجارة بالقضايا، وفي سبيل ذلك، تفعل كل شيء وتزيف أي شيء حتى لو كانت حقيقته متجسدة أمام العالم كله بشكل لا يقبل التأويل أو التبديل.
كان يمكن لتعمد لبس الحق بالباطل والإيمان بالظلم أن ينطلي على بعض المخدوعين بهذه الجماعات لو أن الأمر تعلق بأمور تتعدد فيها وجهات النظر، أو تقبل تجزئة الحقائق وتوجيهها بما يخدم مصالحها، لكن كيف يطيب لها أن تفعل ذلك في كلام موثق ومنطوق ومصور أمام العالم كله؟ ورغم التشويش الآتي من هذه الجماعات وما يتطلبه من جهد في إزاحته عن طريق المواقف الثابتة عملياً، فإنه يثبت بالدليل زيف صورتها التاريخية الزاعمة الارتباط بأي حق عربي أو إسلامي، ويسقط سردياتها التي تدعي الصلة بمصالحنا أو الانطلاق من أي ثوابت.
الثابت الوحيد هو سعي هذه الجماعات لتفتيت الجهود وتشتيت الأنظار عما يخدم بحق، بعيداً عن الشعارات والمتاجرة بالآلام، قضايانا، ومخالفة الإجماع على خطورة اللحظات التي تمر بها وحتمية الالتفاف حول جهود التصدي لتحدياتها.
إن هذه الخطورة استدعت من أصوات معارضة لبعض القرارات السياسية والاقتصادية في بعض الأقطار العربية المهددة الآن ببعض الأفكار الغربية، أن تتخلى عن طرح تحفظاتها مؤقتاً، وأن تمد يد المساعدة في صياغة مساعٍ وأفكار تتصدى للأخطار الراهنة. وفي المقابل، وسّعت الجماعات المارقة حدود التزييف والخروج عن الصف القومي، لا بالصمت عن ما يجري، وإنما باستهداف كل جهد عربي يشتبك معه، لتثبت أنها تتغذى على الانتهازية والكذب رغم هشاشته وعدم قدرته على الصمود في وجه الحقيقة.
وهي في هذا المسعى تستحل كل شيء، وتملك من البجاحة ما يكفي لفضحها، فليس من العقل ولا البراءة تزييف تصريحات زعيم عربي على الهواء وترويج ترجمة لما لم يقله بشأن الملف الأخطر والأكثر استحقاقاً للجدية والاستقامة السياسية والوطنية. وليس من المصادفات وضع أقوال مصطنعة على لسان سفير عربي في الولايات المتحدة تبدّل موقف بلاده الراسخ والمترجم يومياً تجاه القضية الفلسطينية.
إن الخوّان الذي تعريه المواقف ينزعج من الحقيقة، والتقارب العربي، والجهود العربية المدافعة عن الأمة في لحظة فارقة، يصم أذنيه عن سماع ما لا يمكن تحريفه أو تزييفه، ويصر على الاستمرار في التعامل الصبياني مع المواقف، واهماً أن ذلك يخدم أطماعه السياسية ويحقق أهداف من يدعمه.
ليس التزييف المتعمد، ولا الشائعات التي تستهدف الجهود المركزية العربية، ولا ادعاء الصلة بأي عمل شريف لأغراض خاصة تعبيراً عن خلاف سياسي، إنها جرائم لها سوابق، لكنها الآن أكثر تكثيفاً.
[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"