الشباب وثقافة المستقبل

00:02 صباحا
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

عندما ترفض الثقافة التغير تصبح عقبة أمام التقدم، وعندما تفقد أي شكل من أشكال الثبات، تفقد هويتها وتذوب في ثقافات أخرى. ولا يمكن الجزم بأن الثقافة ثابتة بالكامل أو متغيرة بالكامل، لأنها مزيج من الأمرَين، فالقيم الكبرى التي تشكل هوية المجتمع ثابتة لا تتغير، وإن تغيرت طرائق التعبير عنها، بينما تتطور الفنون والتكنولوجيا والإعلام تبعاً للتحولات الاجتماعية والفكرية والظروف التاريخية والسياسية.
وكما لا يبقى الإنسان على حاله ويظل ينمو ويتطور، كذلك تفعل الثقافات، إذ تتأثر بالعولمة والتقدم التكنولوجي والهجرات والاحتكاك بين الشعوب. والمثال على ذلك هو الفن والأدب واللغة التي تعتبر أحد أهم مكونات الثقافة، فاللغات تتغير مع الزمن، إذ تختفي بعض الكلمات وتظهر أخرى وتتأثر بالمؤثرات الخارجية، مما يعكس طبيعة الثقافة المتحولة. وتخضع الفنون والآداب كذلك للتطور، حيث تعكس كل مرحلة زمنية قيماً ورؤى جديدة للحياة من الواقعية إلى الحداثة، ثم إلى ما بعد الحداثة.
وهذا التوازن بين الثبات والتغير هو ما يجعل الثقافة حية ومتجددة، فالثقافة التي لا تتغير، تموت، والثقافة التي تفقد هويتها تذوب، والسر يكمن في التوازن وفي أن نكون أوفياء لتراثنا ومنفتحين على المستقبل.
وهناك ضرورة لكي يتعلم الجيل القادم ثقافة المستقبل ويتعايش معها كل يوم، فهي ليست مجرد كتب وتكديس للمعلومات أو محفوظات، بل وعي عميق بالحياة، وقدرة على طرح الأسئلة قبل تقديم الأجوبة، واستعداد لمساءلة الماضي للسير باتجاه المستقبل.
وفي مجرى الحضارات تظل الثقافة هي الروح الحية التي تحفظ ذاكرة الإنسان، ونحن نريد لأجيالنا القادمة أن تتعلم كيف تقرأ الأدب وتغوص في المعاني وتتحدى الكلمات وتعيد بناء النصوص في عقولها قبل أن تتبناها أو ترفضها.
ونريد أن تتعلم الأجيال الشابة أن التراث ليس مجرد صندوق مغلق يحمل ماضي الأجداد، بل هو مادة حية قابلة لإعادة القراءة، والحداثة ليست انفصالًا عنه، بل حوار متواصل معه، وأن الإبداع لا يولد في الفراغ، بل في تفاعل مستمر بين الأصالة والتجريب وبين الثابت والمتحول.
نريد الشباب مثقفين لا بمقدار ما يحفظون من معارف، بل بمقدار قدرتهم على التساؤل وعلى رؤية الأشياء من زوايا متعددة وعلى اكتشاف الجمال حيث لا يتوقعه أحد، وعلى إعادة تعريف العالم بلغة جديدة أكثر إنسانية وأكثر إبداعاً وأكثر اتصالاً بالحياة.

[email protected]

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"