الشارقة: عثمان حسن
تدشن الدورة السادسة عشرة من بينالي الشارقة، التي تنظمها مؤسسة الشارقة للفنون، وانطلقت فعالياتها 6 فبراير/شباط الجاري تحت شعار (رحالنا)، وتستمر حتى 15 يونيو/حزيران المقبل، حلة جديدة من الأفكار والمشاريع والأعمال المعاصرة التي تزيد على 650 عملاً لـ 200 فنان من جميع أنحاء العالم من بينها 200 تكليف جديد، تُعرض في مناطق ومدن مختلفة من الشارقة مثل الحمرية والذيذ وكلباء.
يوسع البينالي في دورته الحالية من آفاقه الإبداعية مستنداً إلى تفكيك مركزية المعرفة والفكر، بإشراف 5 قيمات هُنّ: علياء سواستيكا، أمل خلف، ميغان تاماتي كيونيل، ناتاشا جينوالا، وزينب أوز.
يفتح شعار البينالي بآفاق جديدة على مشاركات وأصوات تقدّم تأويلات مختلفة تستكشف ما أطلقت عليه القيمات (أحمالنا-همومنا) خلال رحلاتنا اليومية، وكيف ننقل هذه الأحمال إلى العالم من حولنا، كما يشرك البينالي الجمهور في محاولة استكشاف الأساليب الفنية المتنوعة التي تتبناها القيّمات الخمس، والرؤى والتأملات التي استلهمنها من تجاربهن المختلفة.
في هذه الدورة تحاول الأعمال المقدمة تحفيز الجميع للإجابة عن أسئلة مركزية من نوع: (ما الذي نحمله عندما يحين وقت السفر، الهروب، أو الانتقال؟ ما هي المسارات التي نخوضها عندما ننتقل بين الأراضي وعبر الزمن؟ ماذا نحمل عندما نبقى؟ وماذا نحمل عندما ننجو؟..)، ومن خلال هذه الأسئلة يحاول البينالي إشراك الجمهور في محاولة فهم هشاشتنا في (المساحات) أو الأقاليم التي ليست لنا، أو تلك التي لا ننتمي إليها، مع الحفاظ على قدرتنا على التفاعل مع هذه الأماكن من خلال الثقافات التي نحملها معنا. وليكون العنوان أيضاً جسراً يربط بين أزمنة متعددة، حاملاً معه قصصاً متناقلة عبر الأجيال وأساليب متنوعة من الإرث الثقافي.
*أطروحات جمالية
يقدّم البينالي في هذه الدورة أطروحات ومقترحات جمالية من خلال الفنون المعاصرة، ويتناول موضوعات تتعلق بالثقافة والهوية والقضايا العالمية، مع التركيز بشكل خاص على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما يجمع بين مجموعة واسعة من الفنون البصرية، بما في ذلك الرسم والنحت والمنشآت والمشاريع المتعددة الوسائط، مما يوفر منصة للتبادل الإبداعي والحوار الثقافي.
حمل شعار الدورة الجديدة عبارات تستحق التوقف عندها، خاصة أنها تشكل ركيزة رئيسية لمجمل الأفكار التي يجسدها هذا الشعار، ومن ذلك: (في رِحالنا نحمل وطناً، نحمل تاريخاً، نحمل حرفة، نحمل جرحاً، نحمل حرارة استوائية، نحمل مقاومة، نحمل مكتبة من الوثائق المعدلة، نحمل الأغاني، نحمل الاستمرار، نحمل الأرض، نحمل لغة الروح الداخلية، نحمل الأخوّة والتواشج الاجتماعي، نحمل أشعة صباح بلا خوف)، ومن يدقق في هذه العبارات يلحظ من خلالها استشرافاً للواقع المعاصر، وأكثر دقة للحظة الراهنة، التي تبدو ملتبسة في ظل ما نشهده من تحولات ثقافية، ومشاريع سياسية، وصراعات وحروب في خريطة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما تتضمنه من مساحات جغرافية شاسعة، وربما يكاد يطالها العديد من المنعطفات التي لها صلة بموضوعات الثقافة والهوية والقضايا العالمية.
الودع
قاربت القيّمات موضوعات البينالي برؤية عميقة تربط بين الماضي والحاضر وتستشرف المستقبل، ومن ذلك ما كتبته القيّمة أمل خلف تحت عنوان (الودع)، وتطمح من خلال هذا العنوان إلى دراسة حركة المد والجزر في الخليج العربي، الذي يتصل بالمحيط الهندي عبر ساحل إمارة الشارقة، كحلقة تربط أجسادنا بأجساد مائية أخرى، وبدورها تربطنا هذه المياه بعوالم وحيوات تعيش تحت وطأة أزمات مستمرة، وخسارات متراكمة وانهيارات بيئية متجذرة في قرون من الأنظمة الاستعمارية والعسكرية المستنزفة.
تواصل أمل خلف في اختيارها لهذا العنوان (الودع) الذي طرحته منهجيةً للبحث عن الاتجاهات، وللإصغاء العميق، والحداد، والتذكر، وإعادة التعلم، والتنظيم الجماعي.
مع تداعي الزمن تصبح أجسادنا كما تكتب أمل خلف نقطة التقاء، مستودعاً للذكاء الجمعي والحزن المشترك، وعند هذا التلاقي بين اليابسة والماء، لطالما حملت النساء عبء الرعاية حيث كنّ يعتنين بالحزن، ويرافقن الآخرين في مسارات التغيير، إن طقوس الشفاء والحماية والعرافة، وممارسات الحداد تشبه عمل القابلة، التي تسهل ميلاد حياة جديدة، وتبشر في الانتقال من حياة إلى أخرى.
جدير بالذكر أن هذا العنوان (الودع) المشارك في البينالي، يستمدّ اسمه من العرافة، التي تجمع بين سرد الحكايات واستشعار الحواس والتعلم الجماعي والعمل المشترك، وفي زمن يشهد صعود العنف السياسي والانهيار البيئي، تمثل هذه الطقوس المتوارثة والمجسدة في الأجساد والذاكرة أدوات قوية لاستعادة أشكال المعرفة الأصيلة والإرث الثقافي للهويات المهمشة التي تواجه خطر المحو.
بئر الأسلاف
وفي ذات السياق يمكن قراءة ما كتبته القيّمة ناتاشا جينوالا عن مشروع (بئر الأسلاف نبض الأرض)، وهو يجمع بين أعمال فنية، تتداخل فيه مقطوعات موسيقية، ومبادرات نشر، وأعمال إبداعية في فنون الأداء، يستوحي هذا المشروع في البينالي رموزه وإلهامه من الآبار الدائرية القديمة في الهند، وآبار الماء التي كانت تزين ساحات وبيوت الشارقة التاريخية، لتتحول إلى أيقونات حية تجسد مستودعات لذاكرة الأجداد، وفضاءات لصنع الهوية، ونقاط تواصل تربط بين الأجيال المختلفة.
عادي
جسر يربط بين أزمنة متعددة
بينالي الشارقة يطرح أسئلة الذاكرة
18 فبراير 2025
19:32 مساء
قراءة
4
دقائق
عناوين متفرقة
قد يعجبك ايضا







