د. صلاح الغول
التأمت القمة العربية الطارئة بالقاهرة أمس الأول، في ظروف صعبة يمر بها النظام العربي، تُشبه إلى حد كبير الظروف التي كان يمر بها في أوائل ستينات القرن المنصرم، عندما أقدمت إسرائيل على تحويل مياه نهر الأردن. فتمت الدعوة إلى قمة غير اعتيادية في القاهرة عام 1964.
وما أشبه الليلة بالبارحة. فقد تداعى العرب إلى القاهرة هذه المرة للرد على مقترح أو خطة أمريكية/ إسرائيلية، تقوم على السيطرة الأمريكية على قطاع غزة، وتهجير سكانه إلى الدول المجاورة، من أجل تحويله إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، ومن دون وجود آفاق أو ضمانات لعودة المهجرين إلى أرضهم.
كما تأتي هذه القمة في خضم طريق مسدود وصلت إليه مفاوضات اتفاق وقف إطلاق النار، الساري منذ 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، في قطاع غزة، وفي ظل احتمال استئناف الحرب الإسرائيلية على القطاع.
وتزامنت قمة العرب غير الاعتيادية مع مواصلة العدوان الإسرائيلي الموسع في شمالي الضفة الغربية منذ أكثر من شهر، ما أفضى إلى أكبر عملية نزوح قسري للفلسطينيين منذ عام 1967، وهو ما ينذر باندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة.
وقد كان مستوى الحضور العربي معقولاً. فقد شهدت القمة حضور الرئيسين السوري أحمد الشرع، واللبناني جوزيف عون لأول مرة.
وغاب عن القمة رؤساء دول تونس، والجزائر، والسعودية، والكويت، والإمارات، وسلطنة عُمان. كما غاب ولي عهد السعودية عن القمة. ولم تُثر حالات الغياب تلك أي تساؤلات باستثناء حالات رئيسي الجزائر وتونس وولي عهد السعودية. وقد غاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن القمة، احتجاجاً على ما وصفه باحتكار دول بعينها القضية الفلسطينية. أمّا الرئيس التونسي، قيس بن سعيد، فيُفسر غيابه بالمشكلات والتوترات السياسية في بلاده.
فما هي أهم مخرجات قمة القاهرة؟
كررت القمة قرارات عربية سابقة تتعلق بالتسوية السلمية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، والدعوة لعقد مؤتمر دولي لإقامة الدولة الفلسطينية، ونشر قوات دولية لحفظ السلام في الأراضي الفلسطينية، وتوحيد الصف الفلسطيني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية.
ونظراً لظروف انعقادها، أكد البيان الختامي لقمة القاهرة رفض الدول العربية لكل أشكال تهجير الشعب الفلسطيني (قسرياً أو طوعياً)، والتحذير من مغبة أي محاولات للتهجير أو لضم أي جزء من الأرض الفلسطينية. وتم تكليف لجنة قانونية عربية لدراسة اعتبار تهجير الشعب الفلسطيني، وخلق ظروف معيشية طاردة للسكان، جزءاً من جريمة الإبادة الجماعية.
وقد اعتُمدت الخطة المصرية بشأن التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة، والتي تبلغ تكلفتها نحو 53 مليار دولار، وتستغرق 3 سنوات للتنفيذ. ولتمويل الخطة، تم الاتفاق على إنشاء صندوق ائتماني يتلقى التعهدات المالية من الدول ومؤسسات التمويل المانحة. كما دعا القادة العرب إلى عقد مؤتمر دولي في القاهرة في أقرب وقت (شهر إبريل المقبل)، للتعافي وإعادة الإعمار بقطاع غزة، بالتعاون مع الأمم المتحدة.
وعلى عكس ما تريده إسرائيل، وتؤيده خطة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف من تمديد للمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار لضمان إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، أكدت قمة القاهرة ضرورة استكمال تنفيذ الاتفاق، بما يؤدي إلى وقف دائم للعدوان على غزة، وانسحاب إسرائيل بشكل كامل من القطاع، والنفاذ الآمن والكافي والآني للمساعدات إلى غزة.
وبالنسبة لإدارة القطاع، اتفق القادة العرب على تشكيل لجنة إدارة غزة تحت مظلة الحكومة الفلسطينية من شخصيات تكنوقراط مستقلين من أبناء القطاع، لفترة انتقالية مدتها 6 أشهر، بالتزامن مع العمل على تمكين عودة السلطة الوطنية إلى غزة. وسوف تتولى قوات الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية ملف الأمن في القطاع. ولم يُشر البيان الختامي للقمة إلى مسألة نزع سلاح حماس، وإن كانت الخطة المصرية أوضحت إمكانية «التعامل مع معضلة تعدد الجهات الفلسطينية الحاملة للسلاح إذا أزيلت أسبابها «وجود الاحتلال» من خلال عملية سياسية ذات مصداقية».
كما أكدت القمة ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية، ورفض وإدانة المحاولات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين في الضفة داخلياً، أو لضم أجزاء من الضفة.
وفي محاولة لتقريب المسافة بين العرب والولايات المتحدة، تم الاتفاق على إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية، بما في ذلك إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أسرع وقت ممكن. ولكن البيان الختامي لقمة القاهرة أعاد تأكيد الدور الحيوي لوكالة «الأونروا» للقيام بوظائفها المخولة بها أممياً في الأراضي الفلسطينية، ورفض أي محاولات أو إجراءات لتقليص دورها أو إلغائها.
والخلاصة أن قمة القاهرة الاستثنائية كانت على مستوى التوقعات العربية، وقد جاءت مخرجات القمة، كما عبر عنها البيان الختامي، ملبية للتوقعات العربية، ومعبرة عن موقف عربي موحد تجاه كافة أبعاد القضية الفلسطينية.
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية