حوّل الروس الشقة التي عاش فيها شاعرهم الكبير ألكسندر بوشكين متحفاً. في هذه الشقة أيضاً مات بوشكين بعد يومين من مبارزة مع الفرنسي جورج دانتس يقال إنها مدبرة لقتله. يقصد محبّو الشاعر على مرّ الأجيال المتحف الذي نجا من الحصار النازي على مدينة ليننغراد، سانت بطرسبورغ حالياً، واستمرّ 872 يوماً، دُمّرت خلالها المدينة، ومات الكثير من أهلها جوعاً، وما كانت نجاة هذه الشقة ممكنة لولا الأولوية التي منحها الروس للأدب.
قصد الكاتب الإنجليزي أدريان موبي سانت بطرسبورغ في يومٍ بارد، أحاط فيه الثلج المتناثر من السماء بلحيته، ولفحت خدّه ريح وصفها بالشريرة لشدّة برودتها، لزيارة الشقة – المتحف. وهو يجول فيها قال له الحارس بتعبير شعري: «أشياء كثيرة هنا تتذكر ملمس بوشكين». نظر موبي إلى مقعد الشاعر المصنوع من الجلد وأريكته، إلى جانب مكتب الكتابة الخاص به والورق الذي كان يكتب عليه، ووجد كذلك قلم حبر أسود، وصورة لرجل زنجي يقال إنه سلف بوشكين حبشي الجذور.
لم تكن غرفة بوشكين سوى واحدة من خمسين غرفة موزعة على مُدن في مختلف بلدان العالم: إيطاليا، إنجلترا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، شرق آسيا، شمال إفريقيا، قصدها الكاتب ليضع عنها كتاباً أسماه «غُرف تنتمي لأصحابها»، مُذيّلاً إياه بعنوانٍ فرعي: «ماذا تقول الأمكنة التي لم يلتفت إليها أحد؟»، ترجمه إلى العربية عبدالله عبيد؟ وغاية الكتاب التعرف على الغرف التي عاش فيها مشاهير من أدباء العالم، أو اعتبروها مكانهم المفضل للكتابة، لذلك اقترنت تلك الغرف بروائع خلّدها تاريخ الأدب العالمي، ومن بين الخمسين كاتباً وكاتبة الذين اختار الكاتب زيارة غرفهم، نورد بعض الأسماء: إرنست همنغواي، تشارلز ديكنز، مارسيل بروست، أوسكار وايلد، جان بول سارتر، ديستوفسكي، بولغاكوف، غراهام غرين، برنارد شو، فرجينيا وولف وغيرهم.
لاحظ الكاتب أن كثيراً من غرف الكتّاب التي زارها يشوبها الحزن، خاصة عندما ينسحب أصحابها من الحياة مبكراً، كما هي حال بوشكين ذاته الذي مات وهو لما يزل في السابعة والثلاثين من عمره، وحال فيرجينيا وولف التي حملها الاكتئاب على أن تُغرق نفسها في نهر أوس وفيه تموت.
لم يكن النهر بعيداً عن البيت الريفي الذي اختارته مع زوجها مسكناً بعيداً عن ضجيج لندن، حتى إنها كتبت لزوجها: «سيكون هذا البيت عنواننا إلى الأبد»، كأنّها عثرت أخيراً على الغرفة التي تخصّها، لو استوحينا القول من عنوان كتابها: «غرفة تخصّ المرء وحده»، وهو ما لم تفعله، ففي رسالةٍ أخرى لزوجها قالت: «لقد فقدتُ كل شيء إلا يقيني بك، لذا لم يعد بوسعي الاستمرار في إفساد حياتك لفترة أطول»، ثم قصدت النهر وتوغلت في مياهه حتى غرقت.
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







