في العام 1721 ظهر كتاب الرسائل الفارسية للمرة الأولى في باريس، وجاء مونتسكيو مؤلف الكتاب إلى العاصمة الفرنسية، كما يقول إدوارد لابولاي في المقدمة، «للتمتع بسمعته هناك»، ويقول لابولاي أيضاً إن على المرء أن يختبئ كمجرم إذا أراد نشر كتاب في باريس، ولذلك طبعت الرسائل الفارسية في امستردام وفي كولونيا.
في القراءة الثانية للرسائل الفارسية، تهمني الرسالة ال 39 «من الحاج إيبي إلى اليهودي ابن جزوي المعتنق للإسلام في إزمير» وفي بداية الرسالة يقول الحاج: يبدو لي يا ابن جزوي أن هناك دائماً علامات باهرة تمهد لميلاد رجال استثنائيين، كأنما الطبيعة عانَتْ نوعاً من الأزمان، وأن القوّة السماوية لا تخلق إلّا بجهد.
ويأتي في نصّ الرسالة على لسان الحاج ايبي «ليس هناك ما هو أعجب من ولادة محمد، فقد شاء الله (جاءت في الأصل قرر الله) عبر عنايته الإلهية منذ بدء الخليقة أن يرسل إلى البشر هذا النبي العظيم ليقيّد الشيطان، خلق نوراً قبل آدم بألفي سنة، والذي انتقل من مختار إلى مختار، ومن سلف إلى سلف، حتى وصل أخيراً إلى محمد كشهادة صادقة أنه من نسل الآباء الأطهار».
كُتبت هذه الرسالة حول النبي محمد والعلامات التي سبقت ورافقت ولادته في العشرين من شهر رجب من عام 1713، وفي نهاية رسالته يقول الحاج إيبي مخاطباً اليهودي جزوي: (.. بعد الكثير من هذه الشهادات الرائعة يا عزيزي جزوي يجب أن يكون لدى المرء قلب من حديد حتى لا يؤمن بشريعته المقدّسة. ما الذي يمكن أن تفعله السماء أكثر من ذلك لتمهّد لرسالتها الإلهية؟؟..).
تفيض الرسائل الفارسية بالكتابة الشعرية الرائعة حول الغيوم والنجوم، الطين والذهب، وفي الرسائل أكثر من وصف للإمبراطورية العثمانية، والأتراك، وكيف ينظر الفرس للإسلام، وهي منذ البداية نظرة فارسية عنصرية أساسها فهم خاطئ للدين الإسلامي الذي يعتبره الفرس قد قام بالغزو لا بالإقناع..
وهذه رسالة من شخص فارسي زرادشتي يدعى (إيبين) يوجهها إلى (أوزبك) في باريس، وهي الرسالة السابعة والستون.. يقول إيبين في رسالته هذه الموجّهة إلى أخته (أوزبك) التي اعتنقت الإسلام ويريد أن يثنيها عن هذا الدين..».. «تذكري أن ديننا هو الأقدم (يقصد المجوسية أو الزرداشتية)، إنه ازدهر دائماً في بلاد فارس.. والصدفة فقط هي التي أدخلت المحمدية إليها، إن هذه الديانة لم تتأسس عن طريق الإقناع.. بل بالغزو..».
كل هذا الهراء العنصري نظر إليه مونتسكيو باستخفاف، وسوف تتوغل الروح المحمدية في العالم كلّه.. من تولستوي إلى غوته إلى بوشكين.. والأساس نصّ القرآن الذي نظف العالم من أمراضه وعنصرياته المتنقّلة..
[email protected]
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







