لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أمّ اللغات
منْ أنواعِ الجناس: الْمُذيّلُ: الاختلافُ في أكثرِ منْ حرْفين في آخرِهِ، كقولِهِ:
يَمُدّونَ مِنْ أيْدٍ عواصٍ عواصِمٍ
تَصولُ بأسيافٍ قواضٍ قواضِبِ
والْمُطرَّفُ: الاختلافُ بزيادةِ حَرْفين في أوّلِهِ، كقول أبي الفتح البستي:
فَلي طَبْعٌ كَسَلْسالٍ مَعينٍ
زُلالٍ مِنْ ذُرى الأحْجارِ جاري
إذا ما كَبّتِ الأدْوار زَنْداً
فلي زَنْدٌ على الأدْوار واري
الملفّقُ: اللّفظانِ كلاهما مركّب، كقول الشاعر:
فلمْ تضعِ الأعادي قَدْرَ شاني
ولا قالوا فلانٌ قَدْ رَشاني
الأول: مركّبٌ منْ «قَدْرَ» و«شاني» والثاني: من «قَدْ» و«رَشاني»
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
ألمعُ برقٍ
البُحتريّ (من البسيط)
أَلَمعُ بَرْقٍ سَرى أَم ضَوْءُ مِصْباحِ
أَمِ ابتِسامَتُها بِالمَنْظَرِ الضّاحي
يا بُؤْسَ نَفْسٍ عَلَيْها جِدِّ آسِفَةٍ
وشَجْوَ قَلبٍ إِلَيْها جِدِّ مُرْتاحِ
ويَرجِعُ اللَّيلُ مُبيَضّاً إِذا اِبتَسَمَتْ
عَنْ أَبيَضٍ خَضِلِ السِّمْطَينِ وَضّاحِ
تَهتَزُّ مِثْلَ اهتِزازِ الغُصْنِ أَتعَبَهُ
مُرورُ غَيْثٍ مِنَ الوَسْمِيِّ سَحّاحِ
أُثني عَلَيْكِ فإِنّي لَمْ أَخَفْ أَحَداً
يَلْحى عَلَيكِ وماذا يَزعُمُ اللّاحي
حَيَّيْتُ خَدَّيْكِ بَلْ حَيَّيْتُ مِنْ طَرَبٍ
وَرداً بِوَردٍ وتُفّاحاً بِتُفّاحِ
كَمْ نَظرَةٍ لي خِلالَ الشّامِ لَو وَصَلَتْ
رَوَّتْ غَليلَ فُؤادٍ مِنْكِ مُلْتاحِ
تَكَشَّفَ اللَّيْلُ مِنْ لَألاءِ غُرَّتِهِ
عَن بَدْرِ داجِيَةٍ أَو شَمْسِ إِصباحِ
مُهَذَّبٌ تُشرِقُ الدّنيا لطلعتِهِ
عَنْ أبْيَضٍ مِثْلِ نَصْلِ السَّيْفِ وَضّاحِ
من أسرار العربية
من كُلِّ شيء السِنْخُ والجِذْرُ: أصلُهُ ومثلُه الجَذْمُ. الأزْمَلُ: صَوتُه. التباشِيرُ: أوَّلُه، ومنه تباشيرُ الصُّبْحِ. النُقايةُ: ضِدُّ نفايَتِهِ. الغَوْرُ: قَعْرُهُ. يَوْمٌ مُصَرِّحٌ ومُصْحٍ: خالِصٌ مِنَ الرِّيحِ والسَّحابِ. رَمْلٌ نَقَحٌ: خالِصٌ مِنَ الحَصى والتُّرابِ.
وفي أَلْوَانٍ مُتَقَارِبَةٍ: الصُّهْبَةُ: حُمْرَة تَضْرِبُ إِلى بَياضٍ. الكُهْبَةُ: صُفْرَةٌ تَضْرِبُ إِلى حُمْرَةٍ. القُهْبَةُ: سَوادٌ يَضْرِبُ إِلى خُضْرَةٍ. الدُّكْنَةُ: لَوْنٌ إِلى الغُبْرَةِ بين الحُمْرَةِ والسَّوادِ. الكُمْدَةُ: لَوْنٌ يَبْقى أَثَرُهُ ويزولُ صفاؤُهُ، يُقالُ: أكْمَدَ القَصّارُ الثَّوْبَ إِذا لم يُنْقِّ بَياضَهُ. القُمْرَةُ: بَيْنَ البَياضِ والغُبْرَةِ. الطُّلْسَةُ: بَيْنَ السَّوادِ والغُبْرَةِ، قال الفرزدق، يصف الذّئبَ:
وأَطْلَسَ عَسّالٍ وما كانَ صاحِباً
دَعَوْتُ بِناري مَوْهِناً فأتاني
هفوة وتصويب
يقولُ بعضُهم «قرأتُ عنْ شتّى الأفكارِ». والصَّوابُ: «قرأتُ عن أفكارٍ شتّى». لأن «شتّى» بمعنى متعدّدةٍ أو متفرّقةٍ، ويجبُ أنْ تأتيَ في نهايةِ الجُملةِ صفةً للموصوفِ، أو نصباً على الحالية. ويقالُ: وشَتّانَ ما بيْنَ فُلانٍ وفُلانٍ. أَي بَعُدَ ما بينهما، قال الأعشى يصف ناقته:
شَتَّانَ ما يَوْمي على كُورِها
ويَوْمِ حَيّانَ أخي جابِرِ
يقول بعضهم «رسّخَ مَكانته»، وهي خطأ، والصواب «أَرْسَخَ مَكانته»، ففي صحيح اللغة: رَسَخَ الشيءُ يَرْسَخُ رُسُوخاً: ثبت في موضعه، وأَرسخه: أثبته. والراسخ في العلم: الذي دخل فيه دخولاً ثابتاً. وكل ثابت: راسخ، ومنه الراسخون في العلم. وأَرْسَخْته إِرساخاً كالحِبْرِ رَسَخَ في الصحيفة. ورَسَخَ الغديرُ رُسوخاً: نَضَب ماؤه.
من حكم العرب
والنّاسُ هَمُّهُمُ الحَياةُ وما أَرى
طولَ الحَياةِ يَزيدُ غَيرَ خَبالِ
وإِذا افْتَقَرتَ إِلى الذَّخائِرِ لَمْ تَجِد
ذُخْراً يَكونُ كَصالِحِ الأَعمالِ
البيتان للأخطل، يقول إن طول الحياة مطلب جميع الناس، وهذا حقهم، لكن إذا افتقر طول العمر إلى العمل الصالح، فيكون هباءً منثوراً، لأن الذّخر الحقيقي، فعل الخير.