يبدأ هذا الكتاب بالسؤال: كيف تحب الحياة اليوم؟ وينتهي بالسؤال: كيف تقلل من أهمية الكتب؟ وذلك بالاتكاء على الروائي الفرنسي مارسيل بروست، فالعنوان هو «كيف يمكن لبروست أن يغير حياتك» للكاتب آلان دو بوتون، ترجمة يزن الحاج، وفي بدايته يشير الكاتب إلى أن عالماً أمريكياً أعلن أن العالم سينتهي أو على الأقل أن ثمة جزءاً كبيراً من القارة سيتم تدميره، وعلى نحو مباغت سيكون الموت هو المصير المحتوم لمئات الملايين من الناس.
ما الذي ستفعله في الساعة الأخيرة قبل الكارثة؟ سؤال طرحته إحدى الصحف، وطلبت إجابة عنه، هناك من أشار إلى أن الكارثة ستدفع الناس إلى أقرب كنيسة أو أقرب غرفة نوم، وهناك من رفض هذين الخيارين وقال إنه سينتهز هذه اللحظة الأخيرة لتسلق جبل، كي يستمتع بجمال أشجار سفوح جبال الألب، لكن مارسيل بروست أرسل إلى الجريدة وإلى العالم الأمريكي المبشر بالكوارث الرد التالي:
«أعتقد أن الحياة ستبدو رائعة لنا فجأة، لو كان ثمة تهديد بموتنا كما تقولون، فكروا فحسب بكم المشاريع والرحلات وعلاقات الحب والدراسات التي تخفيها الحياة عنا، وكانت لا مرئية بفعل كسلنا الذي يمعن في تأجيلها باستمرار بسبب ثقته الراسخة بأنه سيفعل ذلك في المستقبل».
يرى المؤلف أنه لو كان الاعتراف بقابليتنا للموت سيشجعنا على إعادة تقييم أولوياتنا، فإنه حري بنا أن نسأل عن هذه الأولويات ما هي؟ وربما كنا سنعيش نصف حياة فقط قبل أن نواجه آثار الموت ولكن مم تتكون الحياة الكاملة إذن؟
كانت الردود التي أرسلها المشاهير الباريسيون إلى الجريدة متناقضة بما فيه الكفاية، ولم تكن اقتراحات بروست الخاصة أكثر فائدة إذ إنها بداية كانت تخالف ما يعرف عن شخصيته.
حتى لو كان يريد تنفيذ اقتراحاته فعلاً، فإن أمامه فرصة ضئيلة، إذ بعد أربعة أشهر فحسب من إرسال ردوده إلى الجريدة تحققت نبوءته التي كان يرددها طوال سنوات، فقد فارق الحياة في الحادية والخمسين من العمر، بعد الإصابة بالإنفلونزا.
وعلى الرغم من أن الإعلان عن نهاية العالم الوشيكة يمكن أن يشكل مصدر القلق الأول في ذهن المرء، فإن الدليل البروستي يومئ إلى أمل في أن يتمكن هذا الموضوع من لفت أنظارنا قليلاً، قبل حدوث الدمار الشخصي أو العالمي، وإلى أن بإمكاننا بالتالي ضبط أولوياتنا قبل أن يحين وقت لعبة الجولف الأخيرة والموت.
تتوالى الأسئلة التي يطرحها الإحساس باقتراب النهاية: كيف تقرأ ذاتك؟ كيف تأخذ وقتك؟ كيف تعاني بنجاح؟ كيف تعبر عن عواطفك؟ كيف تكون صديقاً جيداً؟ كيف تفتح عينيك؟ كيف تكون سعيداً في الحب؟ كيف تقلل من أهمية الكتب؟ والسؤال الأخير يتفرع عنه سؤال آخر: ما مدى الجدية التي ينبغي لنا أن نأخذ الكتب بها؟
الكتب بحسب رؤية بروست عجزت عن جعلنا مدركين لما يكفي من الأمور التي أحسسنا بها، قد تسهم في فتح أعيننا، وحثنا على الإحساس وتعزيز قدرتنا على الإدراك، لكنها ستتوقف في لحظة ما، لا عفواً أو صدفة أو بدافع الحظ السيئ، بل تحديداً وبالتعريف من أجل السبب البسيط والقاطع أن المؤلف ليس هو نحن.
ويختتم آلان دو بوتون كتابه قائلاً: «إن نحول القراءة إلى منهج معرفي يعني إسباغ دور كبير جداً على ما يكون مجرد محرض، القراءة موجودة عند عتبة الحياة الروحية، بإمكانها إدخالنا إليها، لكنها لا تكونها، حتى أفضل الكتب يستحق رميه جانباً».
قد يعجبك ايضا







