حين قامت الولايات المتحدة الأمريكية بغزو الفلبين، وحين هنأ الرئيس روزفلت الجنود، الذين قاموا بعدة عمليات في هذه الحرب، قطفوا خلالها أرواحاً لا تحصى ولا تعدّ، للمحافظة على شرف العلم الأمريكي، حسب قوله، قام الكاتب مارك توين بشجب هذه التهنئة، ولم يكتفِ بإدانة الحرب فحسب، بل أصبح أهم المحتجين ضدها، لقد قفز مارك توين من إطاره بوصفه كاتب قصة، إلى قلب النزاع السياسي، وقد تجرّأ على قول أمور لم يكن الكثيرون في البلاد، يقدرون على قولها.
كما يقول ممدوح عبد الله في تقديمه لرواية «أسرار» لكنوت هامسن الصادرة عن دار مسكيلياني للنشر (ترجمة أماني لازار) فإن هذه المفارقة تتعلق أيضاً بالروائي النرويجي هامسون، الحائز نوبل في الأدب عام 1920 فوظيفة المبدع مهما كان مجاله، لا تقتصر فقط على أن ينتج أعمالاً جميلة، ويقدمها للجمهور.
حين غزت النازية النرويج كتب هامسن مقالاً بعنوان: «كلنا ألمان» فهل كانت كراهيته العميقة لما يصفه بالإمبريالية البريطانية هي السبب في اتجاهه نحو الألمان؟ ربما كان يخشى من أن تصل بريطانيا إلى وطنه، ففضّل القوة الوليدة التي تبشر بأوروبا جديدة، يقودها هتلر، وكان «هامسون» مؤيداً لتلك الحركة، وحين كتب مقاله الشهير كان منعزلاً في بيته، لا يشتري الصحف، ولا يستمع إلى الإذاعة، لضعف في حاسة السمع لديه، ومثلما يفعل سادة الكلمة وجد نفسه مضطراً لأن يقابل الحاكم النازي للنرويج من أجل العفو عن شابين نرويجيين كانا منتسبين إلى الثوار.
*زيارة
كثر الحديث بعد هذا اللقاء عن إلغاء النرويج من الخريطة الجغرافية، وجعلها تابعة لألمانيا، ويقوم «هامسون» بزيارة إلى النمسا، ليلتقي شخصية مهمة، قد تساعده في تحريك المياه الراكدة في النرويج، والتخلص من الحاكم النازي، ولم تكن تلك الشخصية سوى هتلر نفسه، رحب به هامسون، وألقى خطاباً مهماً يؤيد فيه القومية الألمانية، ويهاجم فيه البريطانيين، وتذكر سجلات الأرشيف أن هتلر بادر هامسون بالكلام، سائلاً إياه عن طبيعة عمله الأدبي «واخضرت الأرض» كيف استطاع كتابتها؟ وهل كان وقت الكتابة في الليل أم في النهار؟
يريد هتلر أن يعرف حالة الإبداع لدى الأديب، ممثلة في هامسون، ويقارنها بحالة الإبداع ممثلة في السياسي هتلر، لكنه كان يخاطب عجوزاً جاء لهدف واحد، بادر بالإجابة قائلاً ما معناه: إن الحاكم النازي يفعل أشياء، تثير غضب الشعب، وعلى هتلر أن يستبدله، يجب أن يتخلص من هذا الرجل، الذي يدمر سمعة هتلر، بأفعال إجرامية، وتصريحات تبشر باختفاء النرويج إلى الأبد.
حاول هتلر التملص من إلحاح هامسون، إلا أن الأخير عبّر صراحة، مخاطباً هتلر: «وكأني أتحدث إلى حائط» ولم تمر دقائق قليلة، حتى طرد هتلر الروائي، الذي وجد نفسه في حالة يرثى لها من الخوف، وبعد سنوات قليلة، حين تحررت النرويج، وأعلن عن موت هتلر كتب هامسون مقالاً جاء فيه: «لقد كان هتلر محارباً عظيماً من أجل الإنسانية»، ومهما كانت الصورة فإن انتساب هامسون - كما يرى عبد الله- إلى أحد التيارات السياسية، ليس أمراً مثيراً للجدل، لكن درجة المشاركة السياسية وخطورتها، هي التي جعلت حال هامسون خطِرة، ولا يعرف كيف يتم تبريرها.
*جنون
بعد تحرير النرويج تم إدخال هامسون مصحة نفسية، قد تكون تلك الآراء ناتجة عن حالة من الجنون، وقد تكون ناتجة عن عدم معرفة كاملة بما فعلته النازية في أوروبا، إلا أنه يعلن أنه ليس مجنوناً، وها هو في المستشفى النفسي يكتب عملاً جديداً، وسيقدّمه للجمهور في أقرب فرصة، ورغم كل التبريرات التي ذكرت، فإن ارتباط هامسون بالنازية، سيظل نقطة سوداء في تاريخه الشخصي، بوصفه أديباً وإنساناً، له حضور في ذاكرة الأدب الشعبي والروائي في عموم أوروبا.
عادي
الروائي النرويجي كنوت هامسن في مواجهة هتلر
11 مارس 2025
21:09 مساء
قراءة
3
دقائق
عناوين متفرقة
قد يعجبك ايضا







