وليد عثمان
تبدو الحاجة ملحّة في تقدير كثيرين إلى حوار عربي جادّ يأخذ في حسبانه جملة المتغيرات المتعاقبة على مستويات المنطقة والإقليم والعالم، ويحاول الخروج بصيغة تستجيب للتحديات التي تطول ثوابت وتهدد مستقبل الجميع.
تفرض علامات الخطر التي ظهرت بالفعل أو تلوح في الأفق، إدراكاً من الجميع في هذه المنطقة لضرورة الحوار الموسع المستوعب أولاً لما يقوله كثيرون عن عجز آليات العمل العربي المشترك القديمة أو التقليدية عن اللحاق بالأوضاع المتغيرة أو مجاراة طرائق جديدة في العمل السياسي تنتهجها حالياً دول عربية قليلة، وهي أسرع في الحركة من المسارات المعتادة.
أيّاً ما كانت الوسائل المطلوبة للحوار، فإنه يبقى ضرورة، وليكن البدء فيه من الاتفاق على صيغه وأدواته المناسبة والقادرة على مواكبة هذه الأخطار المستشرية في المنطقة. والأخطار كلها واضحة، سواء أتت من دول تمزقها حروب وصراعات داخلية، أو محتلة، كلياً أو جزئياً، بالمعنى المعروف أو عبر رهن قرارها السياسي لغيرها، أو عاجزة عن الوفاء باحتياجات أبنائها بعد أن استسلمت لفساد نخب أو طوائف.
إن ذلك يكفي محاور وأسساً لحوار عربي- عربي طويل غايته تخليص المنطقة من مواطن الألم، وتلك بداية لا غنى عنها لامتلاك القدرة على مواجهة الآخر، بغض النظر عن اسمه.
إن المؤسسات الرسمية يمكنها أن تدير هذا الحوار بشروطه اللازمة الآن، وأهمها الإحساس الجماعي بالخطر، والمصارحة، والرغبة المشتركة في إصلاح ما يتفق على فساده. ومن الواجب أيضاً اتساع دائرة الحوار لتشمل الجهات البحثية المعطلة، ومجموعات التفكير والاجتهاد، والرؤى المستقلة التي قد لا تجد سبيلاً للنفاذ إلى أصحاب القرار.
غاية ذلك ليست تنويع الآراء فحسب، بل بث الإحساس بالخطر في كل مفاصل المنطقة والقناعة بحتمية مواجهته جماعياً للنجاة بالنفس وبالأجيال الجديدة.
بغير هذا الحوار الذاتي الصادق، لا يمكن أن تدير علاقات سوية مع بقية مكونات الإقليم، فبعض دُوَلِه تجيد استغلال متناقضات عربية حقيقية أو مصطنعة لمصلحتها، والبعض الآخر يفضّل الاستفراد بكل بلد عربي واللعب بمقدراته أو مكوناته. بغير حوار يفضي إلى فهم لحتمية الاصطفاف داخل كل بلد، ثم جماعياً، ستبقى علاقاتنا بالدول الفاعلة في الإقليم مختلة، وسنبقى مجرد ورقة تستخدمها دُوَلُه في تعاملاتها مع القوى الكبرى في العالم.
الحواران العربي- العربي، ثم العربي- الإقليمي بالأسس المطلوبة والشروط المحققة لنجاحهما، يضمنان، بلا شك، نموذجاً ثالثاً يجمعنا بهذه القوى الكبرى ويعيد صياغة العلاقة معها بحيث لا تتفرد قوى منها بمنافع في المنطقة، ولا أوراق ضغط عليها، وأن تتسع التفاهمات العربية في كل الاتجاهات وفق المصالح الذاتية، وأن تملك القدرة على التحرك في المسارات المختلفة في الوقت المناسب، أولاً ودائماً، على ما يناسب المنطقة ويؤمّن مصالحها، ويحمي مستقبل أبنائها.