عادي
مكتبتنا

«كنز الكتاب».. بقعة مضيئة في الأدب الأندلسي

00:17 صباحا
قراءة 4 دقائق
«كنز الكتاب ومنتخب الآداب»

الشارقة: جاكاتي الشيخ

يُعد كتاب «كنز الكتاب ومنتخب الآداب» للبونسي واحداً من أصول الأدب العربي في الأندلس، فرغم عدم معرفته من طرف العديد من الأدباء والباحثين؛ كان بعض المطّلعين على علم بوجوده، من خلال وروده مرجعاً في الكثير من كتب الأدب الأندلسي والمغربي، إلا أنهم لم يستطيعوا الحصول عليه، لندرة نسخه واعتبروه من الكتب المفقودة.
ألف البونسي الكتاب في نسختين، إحداهما كبرى والثانية صغرى، حيث كتبهما في فترات مختلفة، ولم يُعثر حتى الآن إلا على الجزء الأول من النسخة الكبرى، وفي مقدمتها يتحدث البونسي عن أهمية الأدب، ويبسط الكثير من الكلام في وصفه وتقدير قيمته، ليصل إلى ما دَفعه ليؤلف فيه هذا الكتاب فيقول: «فلمّا رأيته كل يوم في نقصان ومصونه يزداد مهانة مع الأحيان، بادرت للتأليف وجمعتُ في هذا التصنيف من لُبابه الباهر، وزهره العاطر لُمَعاً كسقط الزند عند الاقتِداح، أو المرهفات في ليل النّقع يوم الكفاح، وانتقيت من توليده المخترع وألّفت فيه من النثر البديع والنظم المطبوع والحكايات المستطرفة، والأخبار المستظرفة، والنوادر المستحسنة المَساق، والأشعار المهذّبة الرقاق، ما يُلتذ بسماعه على التحقيق والاتفاق وتجنح إليه القلوب والأذهان، جنوح الطير إلى الأوكان، لمن نشأ في جزيرة الأندلس من الكتاب والأدباء ولمن ورد عليها من جلة الفصحاء والبلغاء المُتحلّين بحلية الأدب، المقيمين أَوَدَ لسان العرب».
حسرة
في مقدّمة الكتاب أيضاً، يتحدث المؤلف بالكثير من الحسرة عن حال الأدب في زمنه، إلا أنه يستدرك؛ فيعتبر أن تلك الحال لا تمنع من أن يُجمع جيّده، الذي أبدع الشعراء والكتاب فيه، قبل ذلك الزمن أو خلاله، وأن هَمّ ذلك الجمع يقع على عاتق من نذروا أنفسهم لتقديم المعرفة للقراء في مختلف العصور، فاعتمد في تأليفه على ما تفرّق في كتب المجال النادرة، المتخصصة في الأدب الأندلسي، التي اطّلع عليها، مثل كتاب «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة»، لأبي الحسن علي بن بسام، أحد أعلام النثر والشعر حينها وكتاب «قلائد العقبان في محاسن الأدباء والأعيان»، لأبي النصر الفتح بن محمد الإشبيلي، واختار من تلك الكتب ما رأى ضرورة ضمّه في مُؤلَّفه هذا، دون أن يكون له غرض شخصي في انتقاء الأفضل ولا في إقصاء الأقل جودة، بل اعتمد الأسماء التي رأى العارفين في المجال يُعلون من شأن إرْثها وأضاف إليها التي رأى أنها تستحق ذلك، مُفصّلاً في مادته حيث يُستوجب التفصيل وشارحاً كل غريب قد يشكل على القارئ معناه أو تأويله، ومُختصِراً ومُقرِّباً، ليكون الكتاب في متناول الجميع، ولكي لا يتسلّل الملل إلى أذهان قارئيه، فتعمّ فائدته كل عشاق الأدب الأندلسي الراغبين في الاطّلاع عليه.
ترتيب
صنّف البونسي الكتاب في ترتيب منظم، فقسّمه إلى أربعة عشر باباً، ينفرد كلّ واحد منها بموضوع خاص، فكان الباب الأول في الفصاحة والشعر والثاني في رسائل من منتخب النثر والثالث في حكايات حسان والرابع في الحب وما قيل فيه والخامس في النسيب والتغزل والسادس في المعاتبة والاستعطاف والسابع في الأنوار وحدائق الأزهار.. الخ.
ولكي تكون مادته أكثر ثراءً وإقناعاً للقارئ؛ ضمّنها البونسي شواهد من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وأمثال العرب السائرة والشعر الجيّد النادر، متعرّضاً في جميع ذلك، لكل ما أمكن من علوم اللغة العربية.
أهمية
اشتهر هذا الكتاب من خلال الاعتماد عليه في جلّ المراجع القديمة للأدب العربي في الأندلس ومنطقة المغرب ويمثّل ما عثر عليه منه كنزاً ثميناً، لما يشتمل عليه من قصائد ومقطوعات نادرة، لا توجد في سواه من الكتب، بعضها لشعراء كانت أشعارهم قد ضاعت، فلم تُورِد المصادر المتوفّرة قبله إلا القليل من شعر بعضهم، فيما لم تقف على أثر لشعر بعضهم الآخر ومن أولئك الشعراء أبو الربيع سليمان الكلاعي وأبو نصر الفتح بن خاقان والرصافي وأبو بكر بن عمّار وأبو العبّاس أحمد بن شكيل الشريشي، بالإضافة إلى رسائل ونصوص نثرية ذات أساليب أدبية رفيعة وهو ما يُمثّل كلّه صورة حيّة وبقعة مضيئة للمستوى الأدبي في منطقة الأندلس والمغرب العربي، خاصة خلال العصرين؛ المرابطي والأندلسي. لم يعثر للكتاب إلا على مخطوطة واحدة للجزء الأول من نسخته الكبرى، وهي الموجودة في مكتبة الأكاديمية الشرقية (القيصرية الملكية) في العاصمة النمساوية فيينا، وطبعها المجمع الثقافي في أبوظبي سنة 2004، بتحقيق حياة قارة.
إضاءة
توجد معلومات شحيحة حول البونسي، تقول أكثرها ثقة إنه أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن أحمد بن علي الفهري الشريشي، نسبة إلى شريش التي تقع شمال شرق قادس في منطقة الأندلس الإسبانية حالياً والذي عاش بين سنة 573 - و651 هجرية، كان عالماً وشاعراً وأديباً، مولعاً بالشعر والنثر، تلقى علوم الأدب واللغة، والحديث والقراءات على عدد من علماء بلدته شريش، ومن مؤلفاته الأخرى: «التبيّن والتنقيح لما ورد من الغريب في كتاب الفصيح»، و«التعريف والإعلام في تاريخ ابن هشام».

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"