أقصى درجات الحرية

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

أحياناً نجد أنفسنا محاصرين بين ما نريد تحقيقه، وما ينتظره المقربون منا، تتحول التوقعات إلى عبء ثقيل، يلقي بظلاله على حياتنا. منذ الصغر، نبدأ حياتنا محاطين بتوقعات الآخرين، سواء من الأهل، المعلمين، أو حتى المجتمع بأسره. يتوقعون أن نكون ناجحين، متفوقين، مثاليين في كل خطوة نخطوها، ولكن نادراً ما يتم تعليمنا كيف نتعامل مع هذه الضغوط أو كيف نوازن بين ما نرغب فيه، وبين ما يفرض علينا.
إننا نعيش في زمن تزداد فيه المقارنات، حيث تنتشر صور النجاح السريع والإنجازات الكبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعل الكثير يشعرون بأنهم متأخرون عن أقرانهم، وكأن الحياة سباق يجب الفوز فيه بأي ثمن. ولكن الحقيقة هي أن كل شخص لديه وتيرته الخاصة، ومساره الفريد الذي لا يجب أن يقارن بغيره. قد يبدو الطريق طويلاً وشاقاً، لكن التخلي عن محاولة تحقيق توقعات الجميع يمنح الإنسان راحة داخلية لا تقدر بثمن. وكما قال جان بول سارتر: «أقصى درجات الحرية ألّا تكون لافتاً للعين أو للأذن، تقول ما يعجبك ولا يحاسبك أحد، كأنك وحدك في الدنيا أو كأنك صنعت الدنيا على مزاجك».
التوقعات ليست دائماً سلبية، فقد تكون دافعاً للإنسان نحو التطور والعمل بجد، لكنها تصبح عبئاً عندما تتحول إلى قيود تكبل الشخص وتحرمه من اكتشاف ذاته الحقيقية. من المهم أن نتعلم كيف نضع لأنفسنا معايير تناسبنا، بعيداً عن ضغوط الآخرين. علينا أن ندرك أن السعادة لا تكمن في إرضاء الجميع، بل في الوصول إلى قناعة داخلية بأننا نبذل ما بوسعنا وفقاً لإمكاناتنا وظروفنا الخاصة.
الحياة ليست قائمة يجب أن نملأها بالإنجازات لإثبات أنفسنا، بل هي تجربة يجب أن نعيشها بصدق مع أنفسنا. إذا تعلمنا كيف نحرّر ذواتنا من القيود المفروضة علينا، وكيف نعيش وفقاً لقيمنا لا وفقاً لما يتوقعه الآخرون منا، فسنجد راحة أكبر وسعادة حقيقية لا تعتمد على تقييمات الآخرين، بل على شعورك بالرضا عن نفسك وعن مسارك الشخصي والخاص في هذه الحياة.
هذه ليست كلمات ضد الآخرين من المقربين منا، ولا هي دعوة لتجاهل النصائح والتوجيهات من أهل الخبرة والمعرفة، بل على العكس هي محاولة لمنحك فكرة زيادة المعرفة، والاشتغال على نفسك وتطويرها، وعدم جلب الضغوط عليك.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com

عن الكاتب

مؤلفة وكاتبة وناشرة، قدمت لمكتبة الطفل عدة قصص، وفي أدب الكبار أنجزت عدة روايات وقصص قصيرة، ونصوص نثرية. حازت على عدة جوائز أدبية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"