د. صلاح الغول*
انطلقت مفاوضات فيينا النووية، في إبريل/ نيسان 2021، بين إيران والدول الخمس الكبرى (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين) برعاية الاتحاد الأوروبي، وبمشاركة غير مباشرة من جانب الولايات المتحدة، بغرض إحياء أو تجديد العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني.
وعلى مدار عام تقريباً، جرت ثماني جولات من المفاوضات، إضافة إلى جولة محادثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة عبر الوسيط الأوروبي في الدوحة أواخر يونيو/ حزيران 2022، أخفقت جميعها في التوصل إلى توافق لإحياء الاتفاق النووي الإيراني أو التوصل لاتفاق جديد يحل محل خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.
ثم انطلقت الجولة التاسعة من المفاوضات في مارس/ آذار 2022. وبرغم تحقيق اختراق مهم في هذه الجولة، ويتصل بعرض الاتحاد الأوروبي مقترحاً لنصٍ «نهائي» لإعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة في أغسطس/ آب المنصرم، وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود.
وفي يناير/ كانون الثاني المنصرم، اجتمعت إيران ودول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) في جنيف، لبحث سبل استئناف المحادثات النووية، بعد نقاشات سابقة استضافتها سويسرا في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2024. يُذكر أن الدول الأوروبية الثلاث (E3) أعطت إيران مهلة حتى يونيو/ حزيران المقبل للتوصل إلى اتفاق نووي قبل إعادة فرض عقوبات عليها.
وفي 5 مارس/ آذار الجاري، بعث الرئيس دونالد ترامب برسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، يحثه فيها على التفاوض من أجل التوصل لاتفاق نووي جديد. وبرغم تأييد القيادة الإيرانية، التي تسعى إلى تخفيف العقوبات لإنعاش اقتصاد بلادها، إجراء مفاوضات جديدة لتسوية المسألة النووية، فإنها رفضت التفاوض المباشر تحت الضغط مع الولايات المتحدة، التي هددت ضمناً وعلناً بعمل عسكري (بالتعاون مع إسرائيل) على المنشآت النووية الإيرانية في حال رفض طهران التفاوض.
وبرغم التهديد الأمريكي المتضمن في الرسالة الإيرانية، ورفض قادة وساسة طهران التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة، وبرغم تزايد تكهنات المراقبين وتسريب تقارير استخبارية «أمريكية» عن إمكانية شن إسرائيل ضربة جوية ضد المرافق النووية الإيرانية هذا العام، وبرغم اعتقاد بعض الخبراء أنّ سيناريو الهجوم العسكري الإسرائيلي-الأمريكي على إيران أصبح أكثر احتمالاً من ذي قبل، نرى أنّ ثمة توافق ظاهر بين إيران والولايات المتحدة على استئناف المفاوضات النووية، ولو بطريق غير مباشر، للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، حيث من الصعوبة بمكان العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة ذاتها التي تم توقيعها في 2015. وقد عبّر الرئيس السابق جو بايدن عن ذلك عندما صرّح بأن الاتفاق النووي مات إكلينيكياً. كما أكّد عباس عراقي، وزير الخارجية الإيراني، أن الاتفاق الحالي لا يمكن إحياؤه، بل يجب التفاوض على اتفاق جديد.
وتصف ثلة من الخبراء مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لعقد صفقة مع طهران بأنها «مجرد وهم»، فمنذ توليه السلطة في يناير/ كانون الثاني 2025، أبان ترامب عن موقف مناهض لإيران مقارنة بموقف سلفه جو بايدن. فقد استأنف ترامب اتباع سياسة «الضغط الأقصى» على طهران، بفرض عقوبات على صادراتها النفطية بهدف تقليصها إلى الصفر، ومن ثم إجبار القيادة الإيرانية على التفاوض على صفقة نووية جديدة. كما يتخذ ترامب موقفاً عدائياً تجاه دور إيران الإقليمي، ويراه مزعزعاً للاستقرار في المنطقة، وبرنامجها الصاروخي الباليستي، الذي يراه مهدداً للأمن فيها. ومع ذلك، فإنّ سلوك ترامب تجاه الأزمات الدولية والإقليمية في أوكرانيا وغزة يُرجح جنوحه للحلول التفاوضية، وإن بأسلوب عقد الصفقات، كما في عالم الأعمال الذي ينتمي إليه.
علاوة على ذلك، فإنّ الدول الأوروبية، وإن كانت موحدة في موقفها ضد إيران نووية، وهو الموقف الذي يتطابق مع نظيره الأمريكي، فإنّ هذه الدول تُفضل استئناف المفاوضات النووية مع إيران من أجل التوصل لاتفاق نووي جديد. وقد تحدثت تقارير صحفية عن وساطة سعودية أو مساع حميدة يبذلها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بين إيران والولايات المتحدة. كما عرضت روسيا وساطتها كذلك.
كما أن من مصلحة كل الأطراف، بما في ذلك إيران والدول الغربية، استئناف المفاوضات النووية الإيرانية قبل 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، وهو تاريخ انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 والقرار الأممي 2231، الذي يمثل المظلة الأممية له. ويعني انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 خروج إيران من إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وإلغاء العقوبات الأممية التي كانت مفروضة عليها قبل توقيع الخطة بشكل كلي.
ويدرك الأوروبيون أنه بعد 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، لا يجوز إعادة العقوبات الأممية مرة أخرى على إيران، وما يجوز لهم، بعد هذا التاريخ، هو عرض ملف برنامج طهران النووي على مجلس الأمن الدولي، وفي هذه الحالة قد يواجه بفيتو روسي وصيني، ومن ثم الفشل في فرض عقوبات أممية عليها مرة أخرى.
والخلاصة، واستناداً إلى ما سبق، من المرجح استئناف محادثات فيينا النووية بين إيران والقوى الست الكبرى، للتوصل إلى اتفاق نووي جديد يحل محل خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية