من كتب الأدب العربي التي اشتهرت عبر التاريخ كتاب «الأصمعيات» الذي يعتبر من أهم المدونات الشعرية القديمة، حيث يُعدّ من أبرز مصادرها المرجعية، لاحتوائه على مادة شعرية غنية، تجمع ما جادت به قرائح رواد الشعر العربي، في حقبه الأولى.
تُعد «الأصمعيات» ثانية مجموعات الشعر العربي القديم بعد المفضّليّات، وقد أُطلق عليها تلاميذ جامع قصائدها الأصمعي هذا الاسم، على غرار اسم المفضليات قَبْلَها، وذلك تمييزاً لها عنها، وهو ما جعلها تحظى باهتمام خاص من طرف القراء والباحثين، رغم أن الكثير منهم أثير لديه خلط بين المجموعتين.
ولأن الكتاب مخصص للشعر العربي في عصوره القديمة، ضمّنه المؤلف مختارات من الشعر الجاهلي والمخضرم والإسلامي، لواحد وسبعين شاعراً، بلغ عدد الجاهليين منهم أربعة وأربعين وعدد المخضرمين الذين عاشوا في الجاهلية وعاصروا ظهور الإسلام أربعة عشر شاعراً، فيما كان ستة إسلاميين وسبعة مجهولين وبلغ ما اشتمل عليه الكتاب اثنين وتسعين نصاً شعرياً، ما بين قصيدة ومقطوعة ويلاحظ المتصفّح للكتاب أن عدد المقطوعات فيه كبير ولا يتجاوز عدد أبيات بعضها اثنين وأن أطول قصائده لا تتجاوز أربعة وأربعين بيتاً، بخلاف «المفضليات» الذي وصلت بعض قصائده 108 أبيات.
كما يلاحظ أثر اعتماد الأصمعي على ذوقه الشعري الخاص في اختيار القصائد والمقطعات، حيث أبانت المادة الواردة في الكتاب عن معرفته اللغوية الكبيرة وتجلّت فيها القدرة اللغوية العالية للشعراء المختارين وكان شعرهم في الغالب من الغريب ومما يمكن استخدامه في الشواهد النحوية واللغوية وهو ما جعلها عصيّة على بعض القراء من غير النخبة، حيث يرون أنها قلّلت من الاعتناء بالأدب، بينما بالغت في العناية ببعض العلوم اللغوية.
خلط
نظراً لاشتراكهما في المجال الذي كان التأليف فيه منعدماً في زمنهما، التقي كتاب «الأصمعيات» مع «المفضّليّات» في تسع عشرة قصيدةً، ما أوقع خلطاً بينهما، حيث حدث تداخل بين تلك القصائد، كما قام الورَّاقون في أحيان كثيرة بجمع «المفضليات» و«الأصمعيات» في كتاب مخطوط واحد، فالْتبس الأمر على القراء والباحثين، وعُدَّتْ قصائد من المفضليات على أنها أصمعيات، كما حدث العكس وذلك من الأمور التي حدثت في الكثير من المجموعات الشعرية القديمة وهو ما جعل بعض الباحثين يعتبرون أن مجموعة «المفضّليّات» لم تكن كلها من اختيار المفضّل الضبّي، وإنما اختار بعضَها الأصمعي وأضافها إليها لاحقاً، إلا أن باحثين آخرين اعتبروا القصائد أصلية في الكتابين وما أكد ذلك الخلاف هو كون القصائد المشتركة بينهما قد تزيد أبيات إحداها في أحد الكتابين، أو تختلف بعض ألفاظها عن تلك الواردة في الكتاب الآخر، وهو ما يثير الشبهة في إمكانية تغيير المفضّليات أو زيادتها أو النقل منها مع التغيير في «الأصمعيات»، إلا أن كل ذلك لا يغير شيئاً في قيمة الشعر الوارد فيهما، ولا يطعن في صحته، لأن المؤلِّفَيْن من الطبقة الأولى في الرواة، الذين أخذوا الشعر عن اللسان العربي الفصيح، فهم من خيرة من يوثق في تدوينهم ولا يَرْوُون إلا عن من عُرف بالثقة والصدق والدراية التامّة بالمجال وكانوا يخرجون للبوادي يسمعون الأشعار من العرب الأقحاح.
وقد صدرت «الأصمعيات» في عدة طبعات، أولاها تمّت في ليبزج بألمانيا سنة 1902م وأشرف عليها المستشرق وليم بن الورد، ضمن سلسلته «مجموع أشعار العرب» وهي طبعة أثبت الباحثون أنها مملوءة بالأخطاء والثانية مأخوذة عن نسخة محمد محمود بن التلاميذ الشنقيطي عن مخطوطة للأنباري وقد حقّقها كل من محمد شاكر وعبد السلام هارون، ونشرتها دار المعارف في القاهرة سنة 1955م والثالثة طبعة دار الأرقم بن أبي الأرقم في بيروت سنة 1999م، بتحقيق الدكتور عمر فاروق الطباع.
إضاءة
أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع الباهلي المعروف بالأصمعي، راوية مشهور، وواحد من أئمة علم اللغة والشعر العربيين وعلم البلدان، عاش ما بين 123 ه 741م و216 ه 831 م ولد في البصرة وتوفي فيها، تربّى في أسرة متعلمة وقد هيأت له الظروف فرصة اللقاء بكبار علماء عصره فتتلمذ على أيديهم، وتابع مجالسهم في مدينة البصرة منذ صغره حتى صار علماً من أعلامها، إذ تطورت في زمنه الحركة العلمية بسبب تمازج الثقافات وتشجيع الخلفاء لها، فأسهم فيها إلى جانب من أسهم من العلماء، وتعمقت ثقافته وغزر علمه، واتسع اطِّلاعه، كما استفاد من رحلاته إلى بغداد، التي أقام فيها مدة وقرأ في مكة شعر هذيل على الشافعي، وكان كثير التطواف في البوادي، يقتبس علومها ويتلقى أخبارها ويتحف بها الخلفاء، فيكافأ عليها بالعطايا الوافرة، وكان الرشيد يسميه «شيطان الشعر».
عادي
«الأصمعيات».. أشهر منتخبات الشعر العربي القديم
14 مارس 2025
00:12 صباحا
قراءة
3
دقائق
المزيد من الملف
عناوين متفرقة
قد يعجبك ايضا







