كان النبي صلى الله عليه وسلم، دائماً حريصاً على الشورى، ويرحب بالرأي الصائب، لذا أبدى إعجابه باقتراحات الصحابة والمجاهدين في الغزوات والحروب المختلفة، وفي جميع مناحي الدعوة الإسلامية.
يذكر د.زهير السمهوري في كتاب «على خطى النبي.. دروس من حياة محمد صلى الله عليه وسلم»: لقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم الشورى تطبيقاً عملياً في كثير مِن المواقف والأحداث لحشد الجهود وتوحيد الصفوف لتحقيق أهداف الأمة والدعوة إلى الإسلام، كان لا ينفرد بالأمر الذي يرجع فيه إلى الخبرة والتجربة والرأي، فكان يستشير أصحابه ويشركهم في الأمر، وذلك من أقوى الطاقات الإيجابية التي ملأت قلوب ونفوس الصحابة والمسلمين أجمعين، بل كانت الشورى مبدأ عاماً يسير به النبي في دربه، وكانت صفة أصيلة من صفات النبي.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله» (رواه الترمذي). وقال تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمرِ﴾ (آل عمران: 159)، وقد قيل: إن الله أمر بها نبيه، لتأليف قلوب أصحابه، وليقتدي به من بعده.
ومن أمثلة التشاور بين النبي والصحابة والقادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بأن قافلة بقيادة أبي سفيان كانت في طريق عودتها من بلاد الشام وهي تحمل الكثير من البضائع، فقرر اعتراض القافلة في بدر والرغبة في استرجاع الممتلكات التي استولت عليها قريش من المهاجرين، ولكن أبا سفيان كان قد جاءه تحذير بهذا الهجوم من جواسيسه، فأرسل مبعوثاً إلى زعماء مكة وطلب المعونة وقام بتغيير طريقه والإفلات من الهجوم، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن جيشاً ضخماً انطلق من مكة يبلغ ثلاثة أضعاف حجم قوتهم، وأصبحت حرباً لم يكن المسلمون مستعدين لها.
وكان محمد صلى الله عليه وسلم يفكر فيما إذا كان يتعين عليه التقدم واللحاق بالقافلة أو التوقف والعودة إلى المدينة بغية تجنب الاصطدام بجيش قريش الضخم، فقرر استشارة أصحابه لاستطلاع آرائهم بالمسألة، كان أبوبكر وعمر رضي الله عنهما أول المتكلمين وأكدا استعدادهما للتحرك إلى الأمام والمخاطرة بمواجهة شاملة، ثم تكلم مهاجر آخر، المقداد بن عمرو وقال:«اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك».
سر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الموقف وأشرق وجهه، لكن هذا ما كان يتوقعه من المهاجرين، وكان يحتاج إلى الدعم الصريح من الأنصار، فقال سعد بن معاذ رضى الله عنه، ممثل الأنصار:«افعل ما شئت ونحن معك»، فكانت طاقة نورانية شاملة مترابطة سر بها النبي صلى الله عليه وسلم. وكان حباب بن المنذر رضى الله عنه مثالاً بارزاً أيضاً على التشاور والأخذ بالرأي الأفضل، فعندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر وعسكر قرب الآبار الأولى التي وجدها، عندئذ اقترح ابن المنذر رضى الله عنه خطة تقضى بأن ينزلوا قرب أكبر بئر«بئر بدر»، هو الأدنى من الطريق الذي سيأتي منه العدو، ثم يتم تغوير الآبار الأخرى التي في المنطقة بحيث لا يتمكن العدو من الوصول إلى الماء، وبذلك فإن أعداء المسلمين سيجدون أنفسهم أثناء المعركة، في موقف صعب، وقد أصغى النبي صلى الله عليه وسلم للاستراتيجية التي شرحها وأقرها على الفور، فتم نقل المعسكر وتم تنفيذ خطة حباب رضى الله عنه.
وهكذا كان الأمر شورى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، واستمر قادة وأمراء المسلمين على منهجه صلى الله عليه وسلم هذا «التشاور وتبادل الآراء مع بعضهم» فما أعظمه صلى الله عليه وسلم.
عناوين متفرقة
قد يعجبك ايضا







