عادي

عذب الكلام

23:23 مساء
قراءة دقيقتين

إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أمّ اللغات
من بدائع التشْبيه، قولُ أبي العلاء:
رُبَّ لَيْل كأَنَّه الصُّبْحُ في الْحُسْ
ن وإنْ كانَ أَسْوَدَ الطِّيْلَسانِ
وسُهيْلٌ كَوجْنَةِ الْحُبِّ في اللَّوْ
نِ وقَلْبِ الْمُحِبِّ فِي الخَفَقانِ
المشبّه به خدّ المحبوب، أكثر جمالاً من المشبّه الذي هو النجم.
وقولُ أبي الطيّب:
كالبَدْرِ مِنْ حَيْثُ التَفَتَّ رَأيْتَهُ
يُهْدي إلى عَيْنَيْكَ نُوراً ثاقِبا
كالبَحْرِ يَقذِفُ للقَريبِ جَواهِراً
جُوداً ويَبْعَثُ للبَعيدِ سَحائِبا
فتصوير البحر المشبه به، بما يضمّه من نفائس، أقوى من صورة البدر، رغم جماله، وبديع نوره.
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
اللّيْلُ ومِثْلي
رشيد أيّوب
(بحرُ الْمُتدارَك أو «الْمُحدث»)
اللّيْلُ ومِثْلي يَسْهَدُهُ
والنَّجْمُ ومِثْلي يَرْصُدُهُ
تَفْنى الأيّامُ ولي نَوْحٌ
وَرْقاءُ الدَّوْحِ تُرَدّدُهُ
عَجَباً أشْتاقُ إِلى رَشإ
مَرْعَاهُ حَشايَ ومَوْرِدُهُ
وتَظَلُّ النَّفْسُ تَحِنُّ لَهُ
ويَظلُّ فؤادي مَرْقَدُهُ
يا أهْلَ العِشْقِ بربّكُمُ
أَسَمِعْتُم ما أتَكَبّدُهُ
كاتَمْتُ الدَّمْعَ هَوىً فَوشى
والدَّمْعُ كَذلكَ أعْهَدُهُ
وسَقَيْتُ القَلْبَ حُميّا الحُبْ
بِّ فَخانَ القَلْبَ تجلّدُهُ
حَتّامَ يُواخي السِّتْرَ فَتىً
لَمَسَ الأفْلاكَ تَنَهُّدُهُ
واعْطِفْ مَولْايَ على دَنِفٍ
فَلَعَلَّ بِعَطْفِك تُسْعِدُهُ
لَمْ يُبْقِ هواكَ بِهِ رَمقاً
هَيْهاتِ يُشاهِدُهُ غَدُهُ
من أسرار العربية
أوَّلُ مَراتبِ الحُبّ: الهوى. ثمَّ العَلاقةُ: الحبُّ اللَّازمُ للقلب. ثمَّ الكَلَفُ: شِدَّةُ الحُبِّ. ثمَّ العِشْقُ: اسمٌ لِما فَضَلَ عنِ مِقْدارِ الحُبّ. ثمَّ الشَّعَفُ: إحْراقُ الحُبِّ القلبَ معَ لذَّةٍ يَجِدُها، وكذلك اللَّوْعةُ واللَّاعِجُ، فإنَّهما حُرْقةُ الهَوى، وهذا هو الهَوى المُحْرِق. ثمَّ الشَّغَفُ: أنْ يَبْلُغَ الحُبُّ شَغَافَ القلبِ. ثمَّ الجَوى: الهَوى الباطنُ. ثمَّ التَّيْمُ: أنْ يَستَعْبِدَه الحبُّ، ومنه سُمِّيَ «تَيْمُ اللهِ»، أي: عَبْدُالله، ومنه «رَجُلٌ مُتَيَّم». ثمَّ التَّبْلُ: أنْ يُسْقِمَه الهوى، ومنه «رَجُلٌ مَتْبُول». ثمَّ الهُيُومُ: أنْ يَذهَبَ على وَجْهِهِ لغَلَبةِ الهوى عليه، ومنه «رَجُلٌ هائِم»، قال كُثَيِّر:
وإِنّي وتَهْيامي بِعَزَّةَ بَعْدَما
تَخلَّيتُ مِمّا بَينَنا وتَخَلَّتِ
لَكَالْمُرتَجي ظِلَّ الغَمامَةِ كُلَّما
تَبَوَّأَ مِنها لِلمَقيلِ اِضمَحَلَّتِ
هفوة وتصويب
يخلطُ كُثُرٌ، بين آخَر (بفتح الخاء) وآخِر (بكسرها). وفي صحيح اللغة: الآخِرُ: خلافُ الأَوَّل، والأُنثَى آخِرَةٌ. الآخِرُ والآخِرة: نقيض المُتقدّمِ والمُتقدِّمة، والمُستأْخِرُ: نقيضُ المُستقدِم، وهو منوّنٌ، ويُجْمَعُ جمعَ العَاقل، آخِرون. أما الآخَر (بالفتح)، فأَحدُ الشّيْئين أو المُغاير، بمعنى غَيْر، كقولك: رجلٌ آخَرُ وثوبٌ آخَرُ، وهو اسمٌ على وزن أَفْعَلَ، وهو مَمْنوعٌ منَ الصَّرْف والجمعُ: أُخَرُ. والأُنثى أُخْرَى، والجمع أُخْرَياتٌ وأُخَرُ أيضاً. إِلّا أَنَّ فيه معنى الصفة لأَنَّ «أَفعلَ من كذا» لا يكون إِلّا في الصّفةِ. ويقولون: جاءنا أُخُراً (بالضمّ)، أي أخيراً. وقال امرؤ القيس، يصف ناقته:
لَها جَبهَةٌ كَسَراةِ المِجَنِّ
حَذَّفَهُ الصانِعُ المُقتَدِر
وَعَيْنٌ لها حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ
شُقَّتْ مآقيهِما مِنْ أُخُرْ
من حكم العرب
ذَرِيني أنَلْ ما لا يُنَالُ مِنَ العُلَى
فصَعْبُ العُلى في الصّعب والسهلُ في السهلِ
تُريدينَ لُقيانَ المَعَالي رَخيصَةً
ولا بُدَّ دونَ الشَّهْدِ مِنْ إبَرِ النَّحْلِ
البَيتان للمُتنبّي، يشدّدُ فيهما، على أنّه لا بُدّ من الصّعود على جِسْر التّعبِ، للوصولِ إلى ضِفّةِ الطّموحِ، والصّبرِ على العَقَباتِ المَحفوفةِ بالمَخاطر التي تتخلّلهُ.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"