عادي
مكتبتنا

«عيون الأخبار».. مرآة القرن الثالث الهجري

22:55 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ

«عيون الأخبار» لابن قتيبة، كتاب شامل من عيون الأدب العربي، اشتغل مؤلفه على تأليفه بجهد كبير، فكان إسهاماً مهماً في تاريخ المكتبة العربية، لما اشتمل عليه من فوائد معرفية، لم تقتصر على المادة الأدبية الصرفة، بل تجاوزتها لما يشبه مدرسة توجيهية، ما جعله من أكثر الكتب وروداً في مراجع الأدب العربي القديم.
عن السبب الذي دفعه لتأليف هذا الكتاب يقول ابن قتيبة في مقدمته: «وإني كنت تكلّفتُ لمُغفِل التأدُّبِ من الكُتّاب كتاباً في المعرفة، وفي تقويم اللسان واليد، حين تبينتُ شمول النقص، ودروسَ العلم، وشغل السلطان عن إقامة سوق الأدب، حتى عفا ودرس، بلغتُ له فيه هِمّة النفس وثَلَجَ الفؤاد»، فقد كانت الحقبة التي عاش فيها من أكثر فترات الحضارة الإسلامية والعربية سخونة، القرن الثالث الهجري.
محتوى
كان ابن قتيبة من أوائل من عرفوا بترتيب مواد الكتب، فقسّم كتابه هذا إلى عشرة أجزاء، يبدؤها بكتاب السلطان، الذي يتحدث فيه عن السلطة، فيتناول السلطان الحاكم في طبيعة سيرته، وسياسته وصحبته، واختياره للعمال والقضاة والحُجَّاب والكُتّاب، ويتبعه بكتاب الحرب، الذي يتناول فيه الجيش وعُدَده وأسلحته، وأوقات الحرب وحيلها ومكائدها، ثم كتاب السؤدد، الذي يتعرض فيه للشرف والأخلاق الرفيعة، مقدّماً رأيه فيما يجب من الوسطية في الدين والحلم والعقل، والثراء والإنفاق، ثم كتاب الطبائع والأخلاق المذمومة، الذي تكلّم فيه عن الكثير منها مثل الحسد، والغيبة، والسعاية للوقيعة بين الناس، ولا يكتفي بالحديث عن بعض تلك التصرفات لدى البشر بل حتى لدى الحيوانات والحشرات، ثم يخوض في الحديث عن النباتات، والحجارة والجن، ويأتي بعد ذلك بكتاب العلم والبيان، حيث يستعرض أمور العلوم المختلفة، المتوفرة في زمنه، ويغوص في الأدب بأنواعه، فيختار للقارئ أبلغ ما اطّلع عليه من كلام، وخطب للبلغاء، من أمراء وحكماء وغيرهم، وأجود ما وصل إلى علمه من شعر، وما فُضّل به على سواه.
وتتواصل فصول الكتاب حيث يَلِج بالقارئ إلى الزهد، الذي يسرد فيه العديد من مواعظ النُّساك وقصص الوعاظ، ومقامات الزّهاد، وطُرق الدعاء، والمُناجاة، والتهَجُّد، واختلاف أحوال عمر الإنسان، وما إلى ذلك، ثم يصل إلى كتاب الإخوان، فيعرض للحث على اتخاذهم واختيارهم، والمودّة والتّشاكل والمحبة، ثم كتاب الحوائج، وسبل قضائها وإنجاز المواعيد، وكتاب الطعام وكل ما يتعلق به من أدوات وآداب، وأخبار ذلك، ويختم بكتاب النساء، فيجول في كل ما يرتبط بهن، على أشكالهن، من معاملة ومعاشرة.
نقل ابن قتيبة في الكتاب مما رآه وسمعه وقرأه، فكان صورة حيّة لذلك العصر بأهله، والأحداث التي دارت فيه، وصدى لبعض العصور التي كانت قبله، وهو ما خطّط له قبل الشروع في تصنيفه، لإدراكه أنه كان يؤلف كتاباً معنياً بإصلاح ما فسد في زمنه، ليكون تبصرة للمتعلّمين، وتذكرة لأهل العلم، وموجّهاً للحكام الراغبين في المشورة، والمحكومين المحتاجين إلى إنارة سبلهم في الحياة، ومؤنساً لمن أراده لذلك الغرض.
حرص المؤلف على إحكام تنظيم الكتاب، فكانت محتويات كل قسم منسجمة في موضوع مشترك، وتسلسل الأخبار والقصص في كلّ منها مرتّباً حسب حصولها في التاريخ، ولم تكن لغته ثقيلة، بل في متناول مختلف المستويات القرائية، ما سهّل على الناس تداوله، وعلى القراء مطالعته، وعلى المتعلّمين النهل منه وحفظه، وعلى الباحثين الاتكاء عليه، في الكثير من الكتب، والدراسات قديماً وحديثاً، فاستحق كل تلك الأهمية، والشهرة.
طبعت بعض أجزاء الكتاب أول مرة في «جوتنغن» بألمانيا سنة 1899م، بإشراف المستشرق كارل بروكلمان، بينما تمّت طباعته كاملاً من طرف دار الكتب المصرية في القاهرة ما بين سنوات 1923 و1929م. بتحقيق أحمد زكي العدوي، ومن طرف دار الكتب الإسلامية في بيروت سنة 2008، بتحقيق مُنذر محمد سعيد أبو شعرة.
إضاءة
مؤلف «عيون الأخبار» أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدّينوري، إمام وأديب ولغوي ومؤرخ، عاش ما بين 213ه – 828م و276ه - 889م، وقد ولد لأسرة فارسية سكنت مدينة «مَرْو» بخراسان، وتختلف المصادر التاريخية حول المدينة التي ولد بها، بين بغداد والكوفة، إلا أنها تتفق على نشأته في بغداد، التي ظلّ فيها حتى توفي، وقد درس على الكثير من علماء عصره، واطّلع على الكثير من المعارف العربية وغير العربية، فكان لذلك أثر كبير على كتبه التي امتازت بالأصالة والدقة، وحسن الترتيب والتنظيم، حتى عُدّت من أمهات المصادر في المكتبة العربية والإسلامية، ومنها: «تأويل مشكل القرآن»، و«غريب القرآن»، و«غريب الحديث»، و«المسائل والأجوبة»، و«أدب الكاتب»، و«الشعر والشعراء».

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"