د. يوسف الحسن
الأرجح عندي أن يكون كثيرون من أبناء الوطن الإماراتي على علم كثير أو قليل بمسألة «شيخوخة» المجتمع وانخفاض معدل الخصوبة ووصولها إلى نحو 1.4، وهو معدل أقل من المعدل الإحلالي والضروري لاستدامة استقرار عدد السكان، والمقدر عالمياً ب2.3 طفل لكل امرأة.
ورغم أن هذه الإشكالية الوطنية قد أصابت العديد من المجتمعات المتقدمة والنامية، إلّا أن ذلك الانخفاض في معدلات الخصوبة في تلك المجتمعات استغرق في المتوسط نحو مئة عام، في حين أن الانخفاض في الإمارات ودول خليجية أخرى كان سريعاً وجرى خلال أقل من أربعين عاماً.
وأول ما يلفت النظر في هذه الإشكالية أنها لا تحظى بعناية كافية في أوساط الأكاديميين والنخب الثقافية والإعلامية وقد أحسن صنعاً مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في أبوظبي بطرح هذه المسألة للنقاش في الملتقى الثاني لمفكري الإمارات في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي. وكان مفيداً أن يتحدث في هذا الملتقى الدكتور مغير الخييلي، رئيس دائرة تنمية المجتمع بأبوظبي ويستعرض أمام المشاركين عدداً من المبادرات الحكومية، التي نفذتها الدائرة، لتشجيع الشباب على الزواج والإنجاب.
{ كتبت بعدها بأيام مقالاً في مخاطر قضيتي الخصوبة المنخفضة والشيخوخة المرتفعة ورأيت فيهما نتائج متوقعة لتحولات قيمية واجتماعية وثقافية واقتصادية متسارعة وجذرية جرت في المجتمع خلال نصف قرن مضى.. وأبديت قلقاً مشروعاً تجاه ما تتركه هذه الإشكاليات الخطرة من أثر على النسيج المجتمعي والمجتمع البشري وعلى تراجع عدد السكان المواطنين وتزامنه مع اتجاه الهرم السكاني الوطني نحو الشيخوخة في ظل خلل كبير في التركيبة السكانية.
تعددت الأسباب والعوامل التي أدَّت إلى هذه الظاهرة السلبية، فقد شهد المجتمع تحولات اجتماعية واقتصادية متسارعة من بينها ارتفاع واتساع النمو الحضري بمعدلات أكبر بكثير من مثيله في الوطن العربي وتوسُّع هائل في الخدمات والتنظيم والتعليم، مدن تغيرت بيئتها وأثَّر ذلك في بنية الأسرة وفي أنماط السلوك واختيارات الناس وأولوياتهم.
وتراجع نمط الأسرة الممتدة وارتفع الدخل واتسعت مشاركة المرأة في الحياة العملية وازدادت التكاليف الاقتصادية والمعيشية والتعليمية لتنشئة الأطفال وتغيرت القيم والسلوك والاهتمامات وأسباب أخرى عديدة ذات صلة بالحياة الحديثة والعصرية وقيمها وأنماط المعيشة فيها، من سعي مرغوب لتنمية المهارات العملية وتسيُّد ثقافات الاستهلاك البذخي، وعوامل أخرى فسيولوجية واجتماعية.
{ ما العمل؟ هذا هو السؤال المطروح علينا جميعاً في «عام المجتمع» وفي الأعوام المقبلة.
كيف نُوسّع قاعدة الهرم السكاني ونُكثِّف من البرامج والمبادرات الحكومية وغير الحكومية المحفزة للإنجاب؟ وكيف نقنع الجيل الشاب المقبل على الزواج بأن إنجاب الأطفال سيزيد من الرضا عن الحياة ويُحسِّن العلاقة مع الشريك ويرفع منسوب السعادة، ويعزز مناعة المجتمع؟
{ كيف نُقنع الفتاة بأن الإنجاب لا يتعارض مع التحصيل التعليمي والمهني، ونوفر لها التقاعد المبكر ودعم الأسر الكبيرة العدد، وزيادة العلاوة للأطفال وتحمل أعباء الحضانة والتنشئة وإعادة النظر في إجازات الولادة وساعات الرضاعة وتقوية الدعم المجتمعي (العائلة والأسرة والأصدقاء) المحفِّز للإنجاب والحيلولة دون تأخر سن الزواج؟
نستشعر الحاجة الماسة إلى نشر الوعي بأهمية بناء الأسرة وسط الشباب في أنشطة الجامعات، كأساس لاستدامة العنصر البشري الوطني وكقوة عمل فاعلة في المستقبل، كما نستشعر الحاجة لإعادة النظر في الإجازات المرنة والمغرية للأمومة والأبوة معاً وفي تسريع إجراءات اكتساب الجنسية لأبناء المواطنات من أزواج غير مواطنين، وضمهم إلى أطر وهياكل الخصوبة الوطنية والهُوية والحقوق والواجبات.
مرة ثانية، نقول: إن صوت المجتمع مهم ومطلوب لمواجهة تحديات شيخوخة المجتمع وانخفاض معدلات الخصوبة.