درس الثعلب ليس ماكراً

02:00 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يجرؤ عارف بالفكر السياسي على تجريد الثعلب هنري كيسنجر من لقب المفكر في منظومة الجغرافيا السياسية والإستراتيجية والدبلوماسية؟ هو أمين على فكره حتى حين يكون نقداً للولايات المتحدة. لكن الناس قليلاً ما يفقهون ويعقلون فيتّعظون. أحياناً، يختلط الفهم على الكثيرين وتلتبس الأمور، فيستوي في ذلك الذين تقدّموا في العلوم والمعارف وحريات الفكر والرأي والتعبير، والذين هم في التنميات المتعثّرة عاثرون. عسّل الله لسانك يا أبا العلاء: «وما العلماءُ والجهّالُ إلاّ.. قريبٌ حين تنظر من قريبِ».
ألا تظن أن كيسنجر لعبت به شَمول العرفان فشطح شطحةً صادقةً، لم يُنبئنا حتى الساعةَ أحدٌ بأنه ندم عليها «ندامةَ الكُسَعيّ لـمّا.. غَدتْ منهُ مُطلّقةً نوارُ». قال هنري: «إذا كنتَ عدوّاً للولايات المتحدة، فهذا خطأ كبير، أمّا إذا كنت صديقاً لها، فهذا خطأ قاتل». هل يوجد بنط عريض أعرض من هذا للكتابة؟ ضعِ العالم الثالث جانباً، فقد بلغ السيل قمة إيفريست. أوروبا عنوان الحضارة الغربية ومحورها، لم تفهم ألِفاً أو ياءً من بيانه، بينما لا غموض في مقولته ولا إبهام ولا إيهام.
الرجل يعني ما يقول عندما يتحدث عن الولايات المتحدة كدولة، ولم يخصّ رئيساً بعينه. سنة 2014، نفخ العم سام في نسائم الربيع الملوّن في أوكرانيا، فقلب الإعصار الموازين، وكانت الغاية أن يزحف «الناتو» لينعم بجوار روسيا. صادفت اللعبة هوىً في نفس أوروبا، التي في صدرها ثأر دفين. مرارات هزيمة بونابرت على يد الجنرال ثلج، وتكرار هتلر الحماقة ذاتها، والانكسار نفسه على يد الجنرال ثلج . أضحت واشنطن بمثابة الطاقة الخفية التي تدفع اللوحات التكتونية، والقارة العجوز تندفع حتى خلت الترسانات من الأسلحة، والميزانيات لم تعد تغرف من بحر، ثم فوجئت بتفجير أنابيب الغاز الروسي في البحر. ما بين غمضة عين واستفاقتها انتقل دور البطولة إلى ترامب، فكان لزيلينسكي الاستقبال الوبال.
في عام 2014 كان أوباما الرئيس، ثمّ خلَفَه نائبه جو بايدن، فأغدق على الحرب. لكن مقولة الثعلب حاضرة: مخطط إمبراطوريّة متكامل. في عهد أوباما كانت المقدمة، في عهد بايدن كان جوهر الموضوع ووضوح أهداف الحرب، ومع ترامب الخاتمة، بقطاف الثمار، أي حصة الأسد في الأراضي النادرة والمعادن الثمينة الأوكرانية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الكيسنجرية: القارة العجوز لن ترضى من الغنيمة بالإياب، فسوف تكافأ بأن ترجع بخفّي حُنين.

abuzzabaed@gmail. com

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"