الشارقة: جاكاتي الشيخ
من مصنّفات الأدب العربي التي صارت مرجعية في المجال، كتاب «ربيع الأبرار» للزمخشري، فهو من أمهات كتب التراث الثقافي العربي بشكل عام، حيث يحتوي على مادة موسوعية حول الشعر والأدب والتاريخ والعديد من أصناف العلوم الأخرى ولا يزال يحظى باهتمام الكثير من المهتمين بهذه المجالات وخاصة الأدب.
كان هدف الزمخشري من وراء تأليف هذا الكتاب بعد كتابه «الكشاف»، هو تهذيب النفوس والإفادة من التراث العربي المفيد، كما يقول في المقدمة.
يتكون الكتاب من خمسة أجزاء مقسّمة إلى ثماني وتسعين باباً، في موضوعات مختلفة، عمل الزمخشري على أن يجمع في كل واحد منها ما يتصل بموضوعه من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ما ورد عنه من أقوال الصحابة ويتبعه بأقوال التابعين والعبّاد والزهاد والنساك والحكماء من العرب والفرس والشعراء الذين يجد من شعرهم ما يناسب الموضوع وغير ذلك مما عثر عليه من ثقافات الشعوب الأخرى وقدّمه في أسلوب يجمع بين الفصاحة والبلاغة، مع سلاسة في عباراته وجمال في التصوير.
ومن بين موضوعات أبواب الكتاب التي تدل على تنوّع مادته وشموليتها، نذكر منها: باب الأوقات وذكر الدنيا والآخرة، باب السماء والكواكب وذكر العرش، باب الأرض والجبال والحجارة، والحصى وجواهر الأرض، والمفاوز وذكر الرجفة، والخسف وباب الأنفة والإباء والحمية والإجازة والإغاثة والنصرة والذب عن الحريم والغيرة وباب الإخاء والمحبة والصحبة والألفة وما يقع بين الإخوان من الجفوة والمصارحة وذكر الحب والبغض في الله وباب التأديب والتعليم والتثقيف والسياسة وذكر المعلمين والمقوّمين وباب البخت وذكر الإقبال والإدبار والسعد والنحس واليمن والشؤم وباب تبدل الأحوال واختلافها وتبدل الدول وانقلابها والفتن والنوائب.
إن كل ذلك المحتوى وغيره مما لم نذكر، جعل ما جاء في هذا الكتاب ذخيرة مهمة من الأخبار والمعلومات، إذ تتصل بمختلف مناحي حياة العرب، كما جعله صورة صادقة عن أساليب الحياة المعيشية عندهم في عصري الجاهلية والإسلام، وسِفراً نفيساً لما يجمعه من شعر وأدب.
أهمية
وقد لاحظ الباحثون أن الزمخشري جمع مادة هذا الكتاب من بعض كتبه الأخرى التي ألفها قبله، وخاصة كتابيه «ديوان المنظوم» و«ديوان المنثور»، اللذين أخذ منهما معظم محتواه، بالإضافة إلى كتبه «الرسالة الناصحة» و«النصائح الصغار» و«نوابغ الكلم» وغيرها وقد اعتمد في ذلك أسلوباً يشير فيه إلى نقله من كتبه تلك، حيث يقول: قال جار الله وقال الفقير إلى الله وقال ابن أخت خالتي وقال المصنّف وغيرها من العبارات التي يعني بها الإشارة إلى نفسه.
ونظراً لأهمية هذا الكتاب، وتنوّع مادته، جاء ذكره في العديد من كتب المؤرخين وأصحاب التراجم، حيث كان بعضهم يذكره باسم آخر، ففي «وفيات الأعيان» لابن خلكان يظهر باسم «ربيع الأبرار ونصوص الأخبار» وفي «معجم الأدباء» لياقوت الحموي: «ربيع الأبرار في الأدب والمحاضرات» وفي «تاريخ الأدب العربي» ل «بروكلمان»: «ربيع الأبرار» وفي تكملته: «ربيع الأبرار فيما يسّر الخواطر والأفكار».
كما عكف العديد من الأدباء والباحثين على اختصاره، واختيار منتخبات منه ومن ذلك مختصر «روض الأخبار المنتخب من ربيع الأبرار» لمحي الدين بن الخطيب، الذي رتّبه على خمسين روضة، حتى وصل هذا الكتاب إلى عصرنا، فكانت له عدة طبعات، أهمها طبعة مؤسسة الأعظمي للمطبوعات، سنة 1992، تحقيق عبد الأمير مهنا.
إضاءة
مؤلف كتاب «ربيع الأبرار» أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري وهو إمام كبير من علماء الإسلام في الحديث والتفسير واللغة والأدب العربيين، عاش ما بين 467 - 538ه/ 1074-1143م، وقد ولد في زَمَخْشَر في تركمانستان، ثم سافر إلى مكة وجاور بها زمناً، فلقب بجار الله، وقضى زمناً في العراق، وقد كان له تلامذة كثر، في مجالات مختلفة وفي كل المناطق التي مرّ بها خلال حياته وتوفي في جرجانية بخوارزم وله شعر بديع وله العديد من المؤلفات، منها في التفسير كتابه «الكشاف» المشهور والذي بذل فيه مجهوداً كبيراً في سبيل تفسير الآيات القرآنية ومنها في الحديث «مشتبه أسامي الرواة» وفي الفقه «الرائض في علم الفرائض» وفي الزهد «أطواق الذهب في المواعظ» وفي اللغة «أساس البلاغة» و«المستقصى في الأمثال» و«الفائق في غريب الحديث».