رحمة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لم تكن مقصورة على بني البشر فقط، وإنما عمَّتْ الحيوان والجماد، فعن عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرَة (نوع من الطيور) معها فرخان، فأخذنا فرخيْها، فجاءت الحُمَّرَة فجعلت تَعْرِش (أي: تحوم حولهم)، فجاء النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: من فَجَعَ هذه بولدها؟ رُدُّوا ولدها إليها. ورأى صلى الله عليه وسلم، قرية نمل قد حرقناها فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن. قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار. وعن أبي سعيد، رضي الله عنه، قال كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يخطب إلى جذع، فأتاه رجل رومي فقال: أصنع لك منبراً تخطب عليه، فصنع له منبره هذا الذي ترون. فلما قام عليه يخطب، حَنَّ الجذع حنين الناقة إلى ولدها، فنزل إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فضمه إليه فسكت. قال: فأمر به أن يدفن ويحفر له.
الرحمة صفة من صفات المولى سبحانه وتعالى، تشمل جميع مخلوقاته، قال تعالى: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ» (الأعراف: 156). وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: «جعل الله الرحمة مئة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه».
بعث الله سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمداً، صلى الله عليه وسلم، رحمة للعالمين، قال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: 107). وقال تعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ» (التوبة: 128). وعمَّت رحمة الله الإنسان والحيوان، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له. قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجراً، فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر». وقال صلى الله عليه وسلم: «دخلت امرأة النار في هِرَّة ربطتها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض».
عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، قال: خطبنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأقبل الحسن والحسين، رضي الله عنهما، عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما، فصعد بهما المنبر، ثم قال: «صدق الله: «إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ» (التغابن: 15)، رأيت هذيْن فلم أصبر، ثم أخذ في الخطبة».
عن رحمته بالصغار، يروي أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي، صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليسمع بكاء الصبي، فيخفف مخافة أن تفتن أمه. وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: دخلنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على أبي سيف القين، وكان ظئراً (أي: زوج المُرضعة) لإبراهيم، عليه السلام، فأخذ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إبراهيم، فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلتْ عينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟، فقال: «يا ابن عوف، إنها رحمة، ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
عناوين متفرقة
قد يعجبك ايضا






