ماذا ينتظر العالم من دونالد ترامب؟

00:59 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. نسيم الخوري

ينتظر العالم كلّ شيء وأي شيء وقد يتقلّب طويلاً في خطب رسم الخرائط السياسية وتحوّلات النفوذ الدولي في مرحلة تبدو شديدة التعقيد، مع أنّ عين العالم تحدّق بالشرق الأوسط وتستقطب الجاذبيّة لفهم المستقبل عقب حروب انهيارات غزّة وجنوبي لبنان ومستقبل فلسطين. سيبقى العرب مسرح التجاذب والنفوذ العالميين الذي به تُحيط الدول الكبرى والصغرى ترقّباً أو تطلّعاً نحو أحجام الصراعات والمتغيّرات بانتظار خرائط الشرق الأوسط بحلّته الجديدة في الهيكلية العالمية الجديدة ومضاعفاتها المعقّدة.
لدى الخروج الأمريكي من العراق، كانت هناك قوّة عظمى واحدة وبات هناك قوّات عظمى متعدّدة الأقطاب والمطامع وهذا يعنينا بأمرين على الأقل: وعي المجموعات الأخرى من الدول بعد المتغيرات الجذرية في سوريا ولبنان والعراق حيال أسئلة ملحة حول أحادية القوّة العظمى الأمريكية بالنظر الناعم إلى الصين وروسيا بوتين، وإمكانية نجاح ترامب أو إخفاقه في استنباط الحلول الناجعة للمعضلة الأوكرانية من دون الخلاف السياسي مع ألمانيا وفرنسا، وإيران المتحدّية والمربكة من بيروت إلى دول أخرى ترفض الوقوع تحت سيطرة القوى الكبرى. تتوشّى هذه العلاقات الدولية التنافسيّة تودّداً هو من نتائج التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وقوى إقليمية ثانوية، وهو ما حصل ويحصل بالفعل عبر تعبير ترامب عن ملامح استراتيجياته الدولية المعلنة لسحب الحروب من العالم.
ففي سبيل خلق التوازن مع الصين، ستعزّز أمريكا تحالفها مع اليابان التي أشدّ ما يغريها حماية أمن تايوان، كما حافظت أمريكا وشريكتها بريطانيا على علاقتهما ضدّ نفوذ أوروبا «الموحّدة» تتقدّمها ألمانيا وفرنسا. هكذا تبدو بولندا الحليف الأوروبي من أمريكا بعد بريطانيا. ونرى دول أوروبا الوسطى والشرقية تترقب الفرص للوقوف بجانب أمريكا ضدّ ألمانيا وفرنسا وروسيا. وما ميل أمريكا نحو فكّ عقدة أوكرانيا بقوة تقرّباً من روسيا لكأن أصابع ترامب قد وصلت إلى الساحة الحمراء، بعدما سبق أن بنت علاقات مع الأرجنتين في أمريكا الجنوبية لتبرز البرازيل منافساً لها هناك.
حذار نسيان المصالح المشتركة للقوى العظمى والإقليمية الأساسية للتعاون فيما بينها للحدّ من نفوذ الولايات المتّحدة إذ تحاول العديد منها مثل فرنسا وروسيا والصين وإيران والهند العمل معاً من وقت إلى آخر للترويج لمصالحها ضدّ الولايات المتّحدة، كما أدمنت ألمانيا وفرنسا وروسيا أيضاً في مواقفها في مجلس الأمن. تريد كلّ من القوى الإقليمية الكبرى، ما عدا فرنسا وألمانيا، الحصول من الولايات المتحدة على حق العضوية في منظمات دولية أو الحصول على التكنولوجيا والأسلحة والمساعدات الاقتصادية كما الدعم الدبلوماسي، إلى دعوة قادتها إلى البيت الأبيض. سؤال: في ضوء ما يبقى، أيمكننا التفكير اليوم بفرضية انفكاك عقدة القوة العظمى الأحادية سياسيّاً واستراتيجياً، والجنوح ديمقراطياً نحو الانخراط أكثر في الحلول السياسية الدولية السلمية؟ يدور الكثير من الجدل اليوم حول خروج العالم نهائياً من أحادية القطب إلى تعدديته، وقد يغالي الكتّاب في تحليلاتهم إلى تذكّر الإمبراطوريات التي انقرضت نحو الموسوعات. لا أدرج تلك المغالاة إلا في إسقاطات الحبر والتحليلات غير المسنودة إلى توفر الموضوعية، إذ قد يغالي البعض الآخر مجدداً على إمكانات التقسيم والتفكيك لبلدان الشرق الأوسط، متذكرين سايكس- بيكو جديد، حيال اليقظة العارمة للأقليّات ويقظة للإسلاميات بالمعنى الأيديولوجي لدى إعادة ترتيب الكيانات، وتأسيساً على انقلاب النظام الدولي الثنائي القطب المؤلّف من قوّتين عظميين سيطر كلّ منهما على جزء من العالم وتنافساً على النفوذ في الجزء الباقي. لا يعيد التاريخ نفسه كما تتآلف الأذهان، وتجاوز الوعي العربي بهدف التغيير هو قفز فوق المتغيرات والتحولات وانخراط في إعادة رسم خريطة النفوذ الدولي، أوّلاً لأنّ التغيير هو غير الجديد الذي هو إضافة إلى القديم إذا لم يكن استنساخاً له في لعبة السلطة، ولا يمكن أن يقاس التغيير بالأزمنة توخيّاً للاستقرار، وثانياً لأنّ العالم أو الوطن العربي والإسلامي الشاسع كان واحداً بالمعنى الجغرافي والديني، وكانت مرجعيته الإقليمية واحدة هي الباب العالي في الإمبراطورية العثمانية وزمن الأوّل تحوّل، وثالثاً لنتذكّر أنّ التقسيم جاء تاريخياً نتيجة حرب كونية أقعدت تركيا بصفتها المرجع الأحادي الدولة المريضة فوق الفراش. وتبدو الجغرافيا رابعاً، خارج الوعورة وبات عالم الصواريخ والنووي والكيماوي والسلاح الذكي خامساً، بحوزة الكثيرين بما يتجاوز الجغرافيا والحدود والخوف من تسرّبه. وهنا قد يسقط المثل القائل المُحرّف: «رحم الله دولاً عرفت حدّها فوقفت عنده». بات الأفراد زعماء ودولاً لا حدود لها أو لنفوذها. وهنا جملة معترضة نهائية: هناك أحداث دموية جدّاً وتاريخية تركية مغرية طافت بها شاشات العرب وافتتن بها بعض شعوب المنطقة العربية التي لم يتيسّر لها الإلمام بالعثمانية التي دامت 415 سنة. كان الإسلام واحداً بالمعنى الديني والسياسي، وكانت الأخوّة واحدة وأقوى مما تعنيه كلمة إخاء سواء في العهد القديم أيّام آدم ونوح، أو في العهد الجديد حيث الإيمان ومساعدة الفقراء والرأفة بالمساكين والبؤساء وعمل الخير. اليوم ما عاد يتساوى سوى المتساوين في الحقوق، شعوباً ودولاً وأفراداً، وهم ليسوا بالضرورة إخوة.

[email protected]

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"