عادي

موائد وقلوب عامرة

23:14 مساء
قراءة 5 دقائق

تعد موائد إفطار صائم من العادات الأصيلة في المجتمع الإماراتي، التي تكرس قيم التكافل، والتراحم، والتكاتف، وتتنافس في تنظيمها معظم المؤسسات الخيرية وكذا الرسمية، فضلاً عن مواطني الدولة، الذين يتبارون في إعداد موائد عامرة أمام بيوتهم، لإفطار الصائمين من الجنسيات المختلفة، من المحتاجين، والمعسرين.
تستقبل الموائد من يقبل عليها من المارة، والراغبين، ويتشارك الجميع طعام الإفطار، في أجواء تظللها المحبة، والتآلف، والتواد، والتسامح والتعايش، الذي جبلت عليه أرض الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، التي تحتضن نحو 200 جنسية، يعيشون جميعاً في تلاحم وترابط، من دون تمييز، أو تفرقة. 
وتعد «جمعية الشارقة الخيرية» من الجهات الأبرز في إمارة الشارقة في إعداد وجبات الإفطار وتوزيعها، حيث أعلنت توزيع 900 ألف وجبة خلال الشهر الفضيل، ضمن حملتها الرمضانية «جود»، في 140 موقعاً للإفطار بمدينة الشارقة، ومدن المنطقة الوسطى والشرقية، وتتركز مواقع التوزيع بشكل رئيس في مناطق الكثافة السكانية للعمال، والأسر المتعففة، والمناطق الحدودية والطرقات السريعة، لضمان وصول الوجبات إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين.
تعزيز العطاء
عن أهمية مشروع إفطار صائم، ودوره في ترسيخ نهج الدولة في المساندة، ومدّ يد العون، أكد عبدالله سلطان بن خادم، المدير التنفيذي للجمعية، أن هذه المبادرة الخيرية انتهجتها الدولة منذ نشأتها، لتحقيق التكافل الاجتماعي، وإدخال السرور على قلوب الصائمين، خاصة في ظل الأحوال الاقتصادية التي يمر بها العالم.


وقال: يسهم مشروع إفطار صائم في تعزيز قيم العطاء، والتراحم التي حثّ عليها الدين الإسلامي الحنيف، ويعدّ أحد أهم المشاريع التي تنفذها جمعية الشارقة الخيرية خلال الشهر المبارك، لما له من أثر كبير في حياة الصائمين، ونحن نسعى بهذا المشروع إلى توفير وجبات إفطار صحية ومتنوعة للمستفيدين، وتوزيعها في أماكن وجودهم.
تذيب الفوارق
عن دور هذه المبادرة في تأكيد قيم التراحم، قال محمد صالح آل علي، عضو المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة: مع حلول الشهر المبارك تتجلى أسمى معاني الرحمة والتكافل بين أفراد المجتمع، عبر المبادرات الإنسانية، لعل أبرزها موائد الرحمن التي أصبحت رمزاً للعطاء، والتضامن الاجتماعي.
الصورة
1


وفي هذا الشهر الفضيل تتسابق الأيادي البيضاء لتوفير وجبات الإفطار للصائمين. وهذه اللقاءات اليومية تذيب الفوارق الاجتماعية، وتعزز الروابط الإنسانية، ما يخلق مجتمعاً أكثر تلاحماً، ولها دور محوري في تعزيز مبدأ التكافل الاجتماعي، حيث يتشارك الأفراد في إعدادها وتنظيمها.
كما تسهم هذه الموائد في غرس قيم العطاء، والعمل التطوعي لدى الشباب، حيث يشاركون في إعداد الطعام، وترتيبه وتوزيعه، ما يجعلهم يشعرون بمسؤوليتهم تجاه مجتمعهم، ويعزز فيهم حب الخير، ومساعدة الآخرين، لذلك تعدّ موائد الرحمن رسالة محبة وتراحم تجسد القيم الإنسانية التي يحتاج إليها أي مجتمع.
فضل عظيم
عن فضل موائد إفطار الصائمين، ذكر الشيخ الدكتور ناصر بن عيسى البلوشي الزهراني، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة زايد والمأذون الشرعي بمحاكم دبي، وكبير الباحثين بدائرة الشؤون الإسلامية بدبي سابقاً، أن فضل هذه الموائد في شهر رمضان عظيم، حيث تحمل الكثير من الفوائد والفضائل الروحية، والإيمانية والاجتماعية والإنسانية، حيث تسهم في التكافل الاجتماعي، وتعزز روح التعاون والمساعدة بين أفراد المجتمع، خاصة مع الفقراء والمحتاجين الذين قد لا يستطيعون تأمين وجبة إفطار.


وقال: حين سئل عليه الصلاة والسلام: أَيُّ الإِسلام خَيْرٌ؟ فقال: «تُطْعِمُ الطَّعامَ، وتَقْرَأُ السَّلامَ على مَنْ عَرَفْتَ ومَنْ لَمْ تَعْرِفْ»، وهي من القربات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه، ويكتب الرحمن لفاعلها الأجر والثواب، قال عليه الصلاة والسلام «‌من ‌فطّر ‌صائماً ‌كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً».
وهي من أحب الأعمال إلى الله فقد قال عليه الصلاة والسلام «وإن أحب ‌الأعمال ‌إلى ‌الله سرور تدخله على مؤمن: تكشف عنه كرباً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً».
وأضاف: ومن أعظم فضائلها أنها تعزز أجواء الألفة، والمحبة، والمودة، والتعاطف، بجمع الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية.
أعظم القربات
قال الباحث الشرعي الدكتور السيد البشبيشي «تفطير الصائمين في رمضان من أعظم القربات، فعن أم عمارة الأنصارية رضي الله عنها: «أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقدمت إليه طعاماً، فقال: كلي، فقالت: إنّي صائمة، فقال: إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أُكل عنده حتى يفرغوا، وربما قال: حتى يشبعوا». 


ولذلك كان صهيب بن سنان، رضي الله عنه، يطعم الطعام الكثير ويفطر الصائمين، فقال له عمر رضي الله عنه: إنك تطعم الطعام الكثير وذلك سَرف في المال. فقال صهيب: إن رسول الله كان يقول:«خِيارُكم من أطعَمَ الطعامَ، وردَّ السلام»، فذلك الذي يحملني على أن أطعم الطعام.
وأضاف: من منّا من لا يفرح قلبه وتسعد نفسه، وهو يرى موائد الطعام والإنعام، قد مُدّت في شهر الصيام في المساجد، والمجالس، والخيام، تستقبل الصائمين، وترحب بالفقراء، والمحتاجين، وهي ما يُعرف بين الناس في رمضان بموائد الرحمن.
وبغض النظر عن مشروعية هذه التسمية من عدمها، على خلاف بين العلماء، فإنها من المظاهر الطيبة في شهر الصيام منذ زمن بعيد مضى وإلى الآن، وقال الله تعالى {ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً ويَتِيماً وأَسِيراً. إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزاء ولا شُكُوراً}
وقال صلى الله عليه وسلم «أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطعمه خبزاً»، وقال: «إن في الجنة غرفاً يُرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله لمن أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام».
وواصل: يستحب للصائم من باب الوفاء، والشكر، ألا ينسى من فطره بدعوة صادقة ينفعه الله بها، وهذا من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يدعو لمن فطره ويقول: «أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وتنزّلت عليكم الملائكة». ويقول: «اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم». ويقول: «اللهم أطعم من أطعمني، واسق من سقاني».
وكذلك أنبّه إلى أنه إذا وجد المسلم في بلده الموائد الكثيرة التي تكفي حاجات الناس، وتسد جوعهم، فلا مانع من أن يرسل بها إلى بلاد أخرى فقيرة، أو منكوبة ولو كانت بعيدة، ليُدخل في قلوب الصائمين الفرحة والسعادة، أو أن يعطي صدقته للجمعيات الرسمية المعنية لتقوم عنه بذلك، إذ لا يُشترط أن يباشر صاحب المائدة العمل فيها بنفسه، وإنما يجوز فيها الإنابة والوكالة. 
ترسيخ العطاء
قال المهندس عبد الرحمن محمد: الإفطار الجماعي، أو موائد إفطار صائم من أبرز العادات الرمضانية التي تحمل معاني إنسانية عميقة، ومن المظاهر الاجتماعية، والإنسانية التي تعكس روح الشهر الكريم، وتنظّم في المساجد، والساحات العامة، حيث يجتمع الصائمون من مختلف الجنسيات، والخلفيات على موائد واحدة، في أجواء تعكس روح التسامح والتآخي التي يتميز بها المجتمع الإماراتي.


وتنظم الجهات الخيرية مثل جمعية الشارقة الخيرية، وهيئة الأعمال الخيرية العالمية، والهلال الأحمر الإماراتي هذا الإفطار الجماعي، حيث توزّع آلاف الوجبات يومياً على المحتاجين والعمال والمسافرين، في صورة رائعة من صور التكافل الاجتماعي، وترسيخ ثقافة العطاء خلال الشهر الكريم، حيث تمتد الموائد في مختلف أنحاء الدولة، في أجواء مفعمة بالروحانية والتسامح.
 

   

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"