الشارقة: جاكاتي الشيخ
«جمهرة أشعار العرب» المعروف اختصاراً ب«الجمهرة» لأبي زيد القُرَشِيّ، كتاب مهم صنّف فيه مُؤلّفه مجموعة مختارة من الشعر العربي الجاهلي والمخضرم والإسلامي، فاحتوى على قصائد من بينها ما لم يَرِد في كتاب قبله، فكان بذلك مرجعاً من أمهات كتب الأدب العربي، وأصوله التي احتفظت بإرث مكتبتنا الزاخرة بالمعارف.
يكتشف القارئ سبب تأليف الكتاب فور الشروع في تصفّحه، حيث يقول القرشي في بداية مقدمته الأدبية التي صدّره بها: «هذا كتاب جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، الذين نزل القرآن بألسنتهم، واشْتُقَّت العربية من ألفاظهم، واتُّخذت الشواهد في معاني الحديث من أشعارهم، وأُسندت الحكمة والآداب إليهم وذلك أنه لما لم يوجد أحدٌ من الشعراء بعدهم إلا مُضّطر إلى اختلاسٍ من محاسن ألفاظهم وهم إذ ذاك مكتفون عن سواهم بمعرفتهم».
يستدرج المؤلف القراء للاستمرار في قراءة مقدّمته المشوّقة، التي يتعرّض للغة الشعر ولغة القرآن الكريم، فيتحدث عما وافق به القرآن معنى ألفاظ العرب وأشعارهم ويستقصى بداية ظهور الشعر العربي.
وبالإضافة إلى مقدمته الأدبية، اشتمل الكتاب على تسع وأربعين قصيدة من عيون الشعر الجاهلي والإسلامي، مرتّبة في سبع مجموعات، تتكون كلّ واحدة منها من سبع قصائد، وقد جعل كل الطبقات متدرجة من العصر الجاهلي حتى الأموي.
ضمّ الكتاب في الطبقة الأولى أصحاب المعلقات، أو ما عرف أيضاً ب«السُّموط»، وفي الثانية أصحاب المجمهرات، وفي الثالثة أصحاب المنتقيات، أما الرابعة فذكر فيها أصحاب المذهبات وهم حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة ومالك بن عجلان وقيس بن الخطيم وأحيحة بن الحلاج وأبا قيس بن الأسلت وعمرو بن امرئ القيس وذكر في الطبقة الخامسة أصحاب المراثي وهم أبو ذؤيب الهذلي ومحمد بن كعب الغنوي وأعشى باهلة وعلقمة الحميري وأبو زبيد الطائي ومتمم بن نويرة ومالك بن الريب التميمي وفي الطبقة السادسة أصحاب المشوبات وهم الشعراء المخضرمون وذكر منهم نابغة بن جعدة وكعب بن زهير والقطامي والحطيئة والشماخ بن ضرار وعمرو بن أحمر وتميم بن مقبل، فيما ذكر في الطبقة السابعة أصحاب الملحمات وهم الفرزدق، وجرير والأخطل وعبيد الراعي وذو الرمة والكميت والطرماح بن حكيم الطائي.
ورغم ما يمكن وصفه من أن تصنيف القرشي للشعراء كان انطباعياً صرفاً، إلا أن البعض استهجن طريقة التصنيف تلك، لأن المُؤلف –وإن ذكر أسباب اختياره للشعراء– لم يذكر سبب تقدم كل طبقة على غيرها من الطبقات الأخرى ولا سبب ابتدائه بالمعلقات، كما لم يكن هناك مبرر لجعل أصحاب المراثي طبقة قائمة بذاتها، بخلاف الطبقات الأخرى التي أقامها حسب المستوى الفني لقصائدها، فكانت هذه هي الطبقة الوحيدة التي وضعت بحسب الموضوع وكذلك لم يكلّف القرشي نفسه السعي في تبيان الفروق الفنية الموجودة في الطبقات السبع ولا أسباب تفضيل قصيدة على أخرى، بل اكتفى باختيار شعراء طبقاته ورغم كلّ ذلك ظل هذا الكتاب من أهم مراجع الأدب العربي الأصيل التي لا يمكن تجاوزها.
طبع كتاب «الجمهرة»عدة مرات، كانت أولاها في المطبعة الأميرية بمصر سنة 1308 هجرية، ثم طبعته دار صادر في بيروت سنة 1967م، ثم دار نهضة مصر سنة 1967م، بتحقيق علي محمد البجاوي.
إضاءة
مؤلف «جمهرة أشعار العرب» هو أبو زيد محمد بن أبي الخطاب البري القُرَشِيّ، الذي لا تتوفر عنه أخبار واختلف الباحثون والمؤرخون في الفترة التي عاش فيها، إلا أن الباحث مصطفى جواد قدّم ما يُرجِّح كونه عاش في القرن الخامس الهجري وذلك في مقال نشره بمجلة «المجمع العلمي العراقي» سنة 1965م، حيث اعتمد على أن القُرشي ذكر في كتابه كتابَ «الصحاح» للجوهري المتوفى سنة 393ه وكتابَ «ديوان الأدب» لإسحاق بن إبراهيم الفارابي المتوفى في حدود سنة 370ه، بينما استمد ابن رشيق القيرواني في كتابه «العمدة» بعض مواده من كتاب «الجمهرة» وقد عاش القيرواني ما بين 390 و456 ه وبذلك يكون معاصراً له.