بين الماراثون ومئة أرنب

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف سيواجه العالم العربي ضغوط تقدّم العلوم والتقانة؟ المحرج هو عدم التكافؤ في السباق، ما يتحول إلى لوحة كاريكاتورية. تكافؤ الفرص هو أن يكون الشخص في ماراثون، وعليه أن يثبت كفاءته وقدراته، أمّا الركض وراء مئة أرنب في آن، فهذا ما رسمته ريشة الشاعر: «تكاثرتِ الظباءُ على خراشٍ.. فما يدري خراشٌ ما يصيدُ».
لم يستكمل جلّ العرب النصاب في شروط اللحاق بالمعلوماتية والرقميّ، حتى ساد الساحةَ العالميةَ سادةُ الذكاء الاصطناعي. هذه ليست نهاية التحدي، فالآتي أعظم، وهو على الأبواب، كما سنرى. للأسف، من المقلق أن يتسارع إيقاع التحولات العلمية والتقانية، وأكثرية البلدان العربية لا تدرك أن اللحاق لن يتحقق من دون مراعاة تسلسل الأولويات. كيف يتسنّى الوصول إلى الذكاء الاصطناعي، من غير حلّ أهم مشكلتين: سدّ فجوة الغذاء وقضية الأمن القومي. ثم تأتي شؤون تطوير التعليم وتأسيس البحث العلمي ومتتاليات التنمية الشاملة. على الذين لا يأخذون مسألة الغذاء على محمل الجدّ أن يفهموا ببساطة أنهم واقعيّاً لم يتجاوزوا بعدُ عصر الثورة الزراعية قبل عشرة آلاف عام، وأنهم بمجرد تأمين الاكتفاء الذاتي ينجزون قفزةً عملاقةً توصلهم إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أي إلى الثورة الصناعية.
المشهد العربي واضح، والمشاهد العالمية جليّة الشواهد. لا يزال الذكاء الاصطناعي يكتسح الميادين كل يوم بجديد، فالصراع التسابقيّ خصوصاً بين الولايات المتحدة والصين يزداد احتداماً. مؤخراً أثارت مايكروسوفت ضجةً في شأن «ماجورانا 1»، معالج البيانات الكمومي. يجب الحذر من المبالغات في الإخراج الهوليوودي، فالأمور ليست بهذه السهولة، والانسياق غير الواعي وراء الدعاية يوقع المرء في شطط طرفة القِدْر المترامية الأطراف والباذنجانة الكيلومترية. أن يغدو معالج البيانات الكمومي قريباً من حجم معالج البيانات المستخدم في الحواسيب الكلاسيكية معجزة.
حاسوب الكوانتوم النموذجي يحتل غرفةً كبيرةً، ويحتاج إلى تبريد بثلاجات عملاقة إلى درجة الصفر المطلق (270 درجة تحت الصفر)، لكي تستقر الجُسَيْمات. تشبّه شدّة اضطرابها بمحاولة بناء مبنى بأوراق اللعب، في حافلة تهتز في مسيرها. تقانة «ماجورانا 1» مختلفة في فيزيائها، لكنها تظل سباقاً بين أحلام عدّة. إذا نجحت مايكروسوفت أو غيرها، فسوف يتغيّر الذكاء الاصطناعي وكل شيء، وإن أخفقت التجارب فلن يكون المتقاعسون في مأمن من التحولات ومفاجآتها.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجناسية: درس مايكروسوفت هو ألا يقول المرء: إقدامي «ما يَكِرُّ وسَوّفْت».

abuzzabaed@gmail. com

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"