عادي
صدر في الشارقة

«هيبة الجمال».. الرواية مرآة لجوهر الإنسان

21:17 مساء
قراءة 5 دقائق
بييداد بونيت - هيبة الجمال

الشارقة: علاء الدين محمود
دائماً ما كانت ثنائية الجمال والقبح موضوعاً للكثير من الأعمال السردية؛ حيث قدّم العديد من الروائيين العالميين غوصاً عميقاً حول هذا الموضوع الذي لا مفر فيه من الفلسفة وأدواتها من أجل الفرز بين الجمال الحقيقي والزائف، وكيف يتسرب القبح إلى حياتنا من خلال العادات والتصورات التي نكتسبها لنشكل بها صورة ذهنية نمطية.

رواية «هيبة الجمال»، للكاتبة الكولومبية بييداد بونيت الصادرة عربياً في طبعتها الأولى عام 2024، عن دار روايات، بترجمة محمد الفولي، تعدّ من الإبداعات السردية التي تقدم مرافعة قوية عن معاني الجمال وماهية القبح، فهي بمثابة رحلة استكشاف عن الأفكار والتصورات المتعلقة بما هو الجمال وكيف تشكلت وتعززت أفكارنا عنه، وترصد الرواية مقابلة عجيبة بين هذين الضدين «جمال وقبح»، تلك الثنائية التي طالما انشغل بها الناس، من دون أن يتبينوا أن من الممكن جداً أن يكون القبيح كامناً في ما يراه البشر جميلاً؛ لذلك فإن هذه القطعة السردية المختلفة محملة بالرؤى الفكرية التي تبرز تناقضات الإنسان، وتعمل كذلك على إثارة الأسئلة ورفض المسلمات، وما رسخ في العقول نحو وعي مختلف، فالرواية بمثابة دعوة للتأمل العميق، وتحريض على التفكير بشكل مختلف.

معايير

تركّز الرواية بصورة أساسية على تناول معايير الجمال، وهل هي تقتصر فقط على الشكل الخارجي والجسد، أم تشمل كذلك العقل والذكاء؟ ومن هو الذي يضع تلك المعايير ليحدد ما هو جميل، هل هي أعين الناس؟ وبأي حق سادت علامات وسمات وصفات معينة لتجعل من ذلك الشخص جميلاً أو قبيحاً؟ وتغوص الرواية كذلك في معنى الجمال الذي يتسع ليشمل العالم والوجود والطبيعة والأشياء من حولنا، كما أن مراحل عمر الإنسان نفسه لها صفاتها الجمالية، فالطفولة لحظة جمالية بغض النظر عن شكل الطفل؛ لأن المولود يكون جميلاً في براءته وحركاته بل وفي سكونه ولحظة نومه؛ لأننا نرى الطفل بقلوبنا، ونعود عند التأمل في المولود إلى براءتنا التي افتقدناها واغتربنا عنها بسبب التصورات والمعايير التي وضعناها، وبذات الفكرة ننظر إلى الطبيعة وجمال الأشجار والأزهار وكل ألوان النباتات، فالنهر جميل في كل أحواله سواء أن كان يمضي في طريقه هادئاً أو كانت أمواجه عاتية غاضبة تزمجر.

حكاية

تعمل مؤلفة الرواية على أن تجمع شتات أفكارها ورؤاها في حكاية بعيداً عن التجريد المطلق، لذلك كانت حبكة العمل تتكئ على قصة فتاة، ووضعت دار النشر العربية «روايات»، هذا المقطع ليتصدر العمل من أجل إضاءة فكرة الرواية: «تنكشف بطلة القصة على فكرة أنها ليست حسْناء ولا فاتنة كما كانت تتوقّع والدتها وأسرتها والمجتمع بأكمله؛ فقد وُلدَت برأس منبعج وجسد هزيل، ما أدخَل والدتها في حالة إنكار شديدة لتلك الملامح التي لا توافق مقاييس العائلة «الجماليّة»، لتغدو دوماً أقلّ من الجميع، في البيت والمدرسة والحديقة. تنطلق الفتاة مع هذا الوعي إلى تفكيك أحداث حياتها، وكيف أثّر شكلُها في علاقاتها ومصيرها، منذ طفولتها المملوءة بالخوف والقهر وحتى مغامراتها المدرسيّة».
والمقطع يضعنا تماماً في قلب أحداث الرواية، من خلال معاناة بطلتها التي عاشت تفاصيل حياة صعبة بسبب وصمها بالقبح، وقد وصفت المؤلفة هذه القصة الحزينة والمؤلمة في كل تفاصيلها بأنها «سيرة ذاتية كاذبة»، عن فتاة ولدت في مجتمع يقدّر الجمال بالمعايير التي وضعها هو، وتقول الكاتبة: «هذه الطفلة هي أنا، وهذه القصة ضمن أمورٍ أخرى هي قصة علاقتي مع الجمال، إنها أيضاً إلى حدٍّ معين، وكحال أيّ قصةٍ حقيقية، تصفيةٌ لحساباتي مع الآخرين، وخصوصاً مع نفسي»، وربما ذلك الحديث للمؤلفة يشير إلى أن الرواية خيالية تماماً، وإن تضمّنت مواقف وأفكاراً حقيقية تخصها هي ككاتبة، ربما لأنها قد وقعت في حبال معايير المجتمع عن الجمال، وآن لها أن تتمرد وتنتفض من خلال تلك السيرة المختلقة.

عوالم

تتناول الرواية العديد من الظواهر والأشياء، وتتوقف كثيراً عند أحوال الطفولة، والتربية الصارمة، وعملية التعلم، وحب الأدب، والخروج من بيت الأسرة ومزالق الحب؛ حيث ترويها بطلة هذه القصة بفخر عاطفي وصادق ونوع من التمرد على القوالب والعادات والأفكار التي سادت في المجتمع، هي محاولة للتغيير وليس مجرد الاكتشاف فقط؛ لذلك فقد اعتبرت الرواية من قبل بعض النقاد بمثابة سيرة ذاتية لكل البشر، الذين يجدون أنفسهم أمام مسلمات كثيرة، منهم من يرتضي بها ويواصل حياته، ومنهم من يتوقف عندها ويتمرد عليها، وربما يكون السبب الأساسي في نجاة بطلة هذه الحكاية من تصورات البشر المسبقة هو وعيها الباكر الذي جعلها تعلن رفضها، فقد علمت أنها خارج معايير الجمال التي وضعها المجتمع، فهي بالنسبة لهم قبيحة، وبالتالي غريبة، لكنها لم تنزوِ بعيداً وتعشْ معلقة في شراك المأساة، بل قادها وعيها نحو شق طريق خاص بها، وكوّنت تصوراتٍ وأفكاراً مضادة لتلك التي يحملها الناس في أسرتها ومجتمعها.

أساليب

نجحت الكاتبة في صناعة حكاية مؤثرة بشكل عاطفي، كان موضوعها الأول هو ذكريات الطفولة والمخاوف، ولعل من أبرز أسباب نجاح هذا العمل هو تلك اللغة الشعرية، وربما كان الدافع وراء صناعة تلك العوالم الشاعرية الجميلة هو من أجل إدانة تقاليد وأفكار المجتمع، ومن أجل التنقيب عن الجمال الحقيقي والجوهري في مجتمع وعالم لا يعترف إلا بما هو شكلي وظاهري، وعبّرت الكاتبة عن تلك العوالم بسلاسة وقوة في ذات الوقت، حيث تحتشد الرواية بالأفكار التي تحتفي بالفن والأدب كقوة حقيقية ضد الزيف، فبطلة الرواية اكتشفت أنها من أجل أن تواجه هذا العالم الغريب عليها أن تمتلك سلاح المعرفة، فكان أن عملت على تثقيف نفسها بالانفتاح على الأدب والشعر؛ لذلك جاءت الرواية وهي تحتشد بنصوص لشعراء عالميين، ومن أجل أن تشرك القارئ في أحداث العمل بصورة يبذل فيها المتلقي التفكير والتأمل، فإن الكاتبة صنعت نهاية مفتوحة؛ وذلك للتدليل على أن القضية التي تناولتها «معايير الجمال»، لم تُحسم بعد.

صدى

الرواية وجدت صدى جيداً وسط القراء منذ صدورها في عام 2012، وترجمت إلى العديد من اللغات العالمية، وتبارى النقاد في الحديث عنها؛ إذ اعتبروها من الأعمال التي تناولت قضية الجمال من بعد مختلف، وعبر حكاية مؤثرة ومشحونة بالعواطف، كما تحدثت عنها العديد من الصحف الكولمبية.

اقتباسات

«عندما كبرت أدركت أن متعة الطفولة هي في الواقع لمحة من الخلود».
«الحب، يحوّل العالم إلى ذخيرة من الاستعارات».
«كانت قصائدي تُقرأ عليّ، لكني قرأت أيضاً شغفي في الموسيقى، في الظلال التي رقصت على جدران المدرسة».
«المرض، مثل الموت، الحرب، الخراب، لديه القدرة على نقل حياة الإنسان بشكل غريب».
«ما نحن إلا كومة مضطربة من الأحشاء والعضلات والعظام».
«شعرت بالخوف والسعادة والحب، ليس في الصدر، كما يظن الناس، بل في مكان أعمق».
«كان المنزل، خلال الاستعداد للرحيل، كأنه دفتر ملاحظات يقلب شخصٌ ما صفحاته».
«بدأ المكان وكأنه يكتب تاريخه المقفر».
«الفضيلة العظيمة للوقوع في الحب هو أنه ليس له أسباب».

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"