عادي
مكتبتنا

«العمدة».. لؤلؤة بحر الشعر والأدب

23:20 مساء
قراءة 3 دقائق
غلاف «العمدة في صناعة الشعر ونقده»

الشارقة: جاكاتي الشيخ

يعتبر كتاب «العمدة في صناعة الشعر ونقده» لابن رشيق، إحدى أهم الموسوعات الأدبية العربية التي اعتمد عليها القراء والباحثون في هذا المجال، وذلك بفضل ما اشتمل عليه من الشعر، وما يتصل به من علوم لغوية، ونقد، وفنون كتابية، وتاريخ أيام العرب وأنسابها، وحكامها، وغير ذلك مما جعله مرجعاً أساسياً في مجاله.
ألف ابن رشيق كتاب «العمدة» وأهداه لابن أبي الرجال الشيباني، مُربّي المعز بن باديس، ورئيس ديوان كُتّابه الذين كان منهم ابن رشيق، ويقول في مقدمته عن سبب تأليفه له: «فقد وجدت الشعر أكبر علم العرب، وأوفر حظوظ الأدب، وأحرى أن تقبل شهادته، وتمتثل إرادته»، ثم يقول: «ووجدت الناس مختلفين فيه، متخلفين عن كثير منه، يقدمون ويؤخرون، ويُقلّون ويكثرون، قد بَوّبُوه أبواباً مبهمة، ولقّبوه ألقاباً مُتّهمة، وكل واحد منهم قد ضرب في جهة، وانتحل مذهباً هو فيه إمام نفسه، وشاهد دعواه، فجمعتُ أحسن ما قاله كل واحد منهم في كتابه، ليكون العمدة في محاسن الشعر وآدابه».
اجتهد ابن رشيق على أن يجعل من كتاب «العمدة» موسوعة ينتشي فيها القارئ بالغوص في عوالم الشعر العربي ومحاسنه، ولغته، وعلومه، ونقده، وأغراضه، والبلاغة وفنونها، وغير ذلك مما لابد للأديب من معرفته من أصول علم الأنساب، وأيام العرب، وملوكها وخيولها وبلدانها، وكل ما يتصل بحياتها، متحدثاً في كل ذلك عن فضل الشعر، وأهميته، وأشهر من قاله من غير الشعراء المتخصصين، ورتّب الكتاب في 107 أبواب، خصص 59 منها للشعر، و39 للبلاغة وعلومها، فيما جال في 9 أبواب في فنون شتى، مُعينة على فهم التراث الشعري العربي.
واتّكأ المؤلف في الكتاب على آراء العديد من النقاد الذين سبقوه، بالإضافة إلى آرائه الخاصة، معتمداً على أكثر من ثلاثين كتاباً أدبياً وتاريخياً، والعديد من الدواوين، ومن بين ذلك كتب لم يعثر لها على أثر، مثل «طبقات الشعراء» لدعبل، و«الأنواء» للزجاجي، وكتب لم يعثر على محتواها كاملاً، مثل «المنصف» لابن وكيع التنيسي، و«الممتع» للنهشلي.
وقد ألف ابن رشيق بعد هذا الكتاب كتاباً آخر يعتبر بمثابة ذيل له، سمّاه «قراضة الذهب في نقد أشعار العرب»، حيث أكمل فيه أفكاره حول الموضوع، واستدرك الكثير مما رأى وجوب استدراكه.
أهمية
لأهمية هذا الكتاب، قال عنه ابن خلدون: «وهو الكتاب الذي انفرد بهذه الصناعة وإعطاء حقها، ولم يَكتب فيها أحدٌ قبله ولا بعده مثله»، وأنجزت له مختصرات كثيرة، أشهرها كتاب الشنتريني المتوفى سنة 549ه، الذي سمّاه «جواهر الآداب وذخائر الشعراء والكتاب»، كما نقل منه كل من تناول مجاله بعده، وعندما طبع كتاب «كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب»، المنسوب لابن الأثير تبين أنه نقل عن «العمدة» 121 صفحة كاملة، وأنه ليس في الكتاب سوى خمس صفحات خالية من النقل منه.
وعثر على العديد من نسخ مخطوطات الكتاب في الكثير من مكتبات العالم، وطبع لأول مرة في تونس سنة 1885م، وطبع بعد ذلك عدة مرات، أقدمها طبعة مكتبة محمد أمين الخانجي الصادرة في القاهرة سنة 1907م، التي صحّحها محمد بدر الدين النعساني الحلبي، وطبعة المكتبة التجارية الكبرى بالقاهرة أيضاً سنة 1934م، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، فيما تمّ تحقيقه حديثاً بشكل أكثر تفصيلاً من طرف كل من الدكتور محمد قرقزان، والنبوي عبد الواحد شعلان، حيث عمل كلّ منهما في تحقيقه على إزالة الشوائب التي لحقت بالكتاب في طبعاته الأولى.
إضاءة
أبو علي الحسن ابن رشيق القيرواني، أديب وناقد وشاعر، عاش ما بين 390 و456ه، ولد بمدينة «المسيلة» المعروفة بالمحمدية، التي تقع حالياً في الجزائر، حيث كان والده رومي الأصل يعمل في صياغة الذهب، فنشأ ابن رشيق بها، وعلّمه والده صنعته، ولكنه كان يميل إلى الأدب، فانتقل إلى تعلمه، وصار شاعراً في صغره، ودرس النحو، والشعر، واللغة، والعروض، والأدب، والنقد، والبلاغة على عدد من نوابغ عصره، وارتحل إلى القيروان، حيث اشتهر هناك، ومدح حاكمها المعز بن باديس بقصائد كانت سبباً في تقريبه له، ثم اتصل برئيس ديوان الإنشاء بالقيروان، أبي الحسن علي بن أبي الرجال، فولاه شؤون الكتابة المتصلة بالجيش، وبقي هناك إلى أن زحفت على القيروان بعض القبائل العربية القادمة من المشرق، فغادرها إلى مدينة المهدية، ثم إلى جزيرة صقلية، إلى أن توفي، وله أكثر من ثلاثين كتاباً، ضاع بعضها، فبالإضافة إلى كتاب «العمدة» الذي كان سبباً في شهرته، منها: «قراضة الذهب في نقد أشعار العرب»، و«أنموذج الزمان في شعراء القيروان»، و«الشذوذ في اللغة»، و«قطع الأنفاس»، و«سر السرور»، كما أن له ديوان شعر جيّد.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"