قصص النساء اللائي شاركن في الغزوات مع رسول الله، كثيرة جدّاً، وكان للصحابية الجليلة أم ورقة بنت نوفل، رضي الله عنها، السبق في أن تطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الخروج مع الجيش لتداوي الجرحى، لعل الله يكتب لها الشهادة. يقول الوليد بن عبدالله بن جميع: حدثتني جدتي وعبدالرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غزا بدراً، قالت: قلت: يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك، أمرّض مرضاكم، لعل الله أن يرزقني شهادة. قال: «قَرِّي في بيتك فإن الله تعالى يرزقك الشهادة». قال: فكانت تسمى الشهيدة. قال: وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ في دارها مؤذناً، فأذن لها، وقد كتب الله لها الشهادة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
على نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، سار أصحابه من الرجال والنساء، فكانت شجاعتهم مضرب المَثل في كل العصور والأزمان، وقد ضربت النساء المسلمات خاصة في عهد النبوة المَثل والقدوة في الشجاعة والإقدام على مشاركة المقاتلين غزواتهم وحروبهم، فقد كنَّ يشتركنَ مع جيش المسلمين في المعارك، ويَقُمنَ بإعداد الطعام للمُقاتلين، وتَجهيز الماء لسَقي الجنود، ومُداواة الجرحى ورعاية المرضى، حتى اشتهَر من هؤلاء النساء الصحابيات الجليلات: أم عمارة نَسيبة بنت كعب، وأم عطية الأنصارية، وأم سُليم، وليلي الغِفاريَّة، ورفيدة الأسلمية، وغيرهنَّ كثيرات.
هذه قصة الصحابية رُفيدة الأسلمية الأنصارية، رضي الله عنها، التي شاركت في غزوتيْ الخندق وخيبر، وكانت لها خيمة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، تداوي فيها الجرحى، والتي تعد أول مستشفى ميداني في الإسلام، وأُطلِق عليها «الفدائية» لأنها كانت تقتحم أرض المعركة وتنقل الجرحى إلى خيمتها لمداواتهم، كما شاركت أم عطية، والرُّبيِّع بنت معوذ، وأم سليم في مداواة الجرحى وسقيْ الماء، وإعداد الطعام، تقول الرُّبَيِّعِ بنت معوذ: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي ونداوي الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة.
كانت غزوة بدر الكبرى نصراً مؤزَّراً من الله لرسوله والمؤمنين معه، كشفت عن إقدام المهاجرين والأنصار على خوض الحرب في سبيل الدفاع عن قضيتهم وحقهم في الوجود، وكان يوم بدر هو «يوم الفرقان»، قال الله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (الأنفال: 41).
ذكر ابن حجر في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة» أن أم عمارة شهدت بيعة العقبة مع زوجها وابنيْها وأختها، وزوجها هو الصحابي الجليل زيد بن عاصم، وابنها «حبيب» الذي قطَّعه مسيلمة الكذاب عضوًا عضوًا، عندما جاءه يحمل رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما شهدت بيعة الرضوان يوم الحديبية، ويوم حنين، ويوم اليمامة مع جيش خالد بن الوليد، وجُرحت في هذا اليوم اثنيْ عشر جرحاً وقُطعت يدها، وفي ذلك اليوم قَتل ابنُها عبد الله مسيلمة الكذاب.
أما قصة الصحابية الجليلة أم عمارة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها، فتؤكد أن المرأة المسلمة لم يقتصر دورها في أثناء الحروب على مداواة الجرحى وسقيْ الماء وإعداد الطعام، فقد أبلتْ أم عمارة بلاءً حسنًا في يوم أُحد، يقول عنها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم أُحُد: «ما التفتّ يمينًا ولا شمالًا إلا وأنا أراها تقاتل دوني». وكانت أم عمارة شهدت غزوة أُحد مع زوجها وابنيْها، وكانوا من القلائل الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ودافعوا عنه دفاع الأبطال، ودعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «بارك الله فيكم من أهل بيت». وطلبت أم عمارة من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم بمرافقته في الجنة، فدعا صلى الله عليه وسلم لهم، فقال: «اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة»، فقالت: ما أبالي ما أصابني بعد ذلك في الدنيا.
شاركت أمهات المؤمنين زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم في عدد من الغزوات، فكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد الغزو أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرجت معه، فكانت معه السيدة عائشة في غزوة بني المصطلق، وأم سلمة عند صلح الحديبية.
المزيد من الملف
عناوين متفرقة
قد يعجبك ايضا







