فن الانتظار.. مهارة بتنا نحتاجها

01:00 صباحا
قراءة دقيقتين

عالم اليوم يتميز بالتسارع في مختلف جوانب وشؤون الحياة، حتى باتت ساعات اليوم غير كافية للحاق بما يتم بشكل لحظي من أحداث ومفارقات وتحديثات ومعارف ومعلومات، وكأن عالمنا بات مبنياً على السرعة وحسب. ولا شك أن التطورات التقنية والتكنولوجية التي لا تتوقف، لها أثرها الواضح في هذا التسارع. على سبيل المثال، معلومة، سابقاً كنت تريد التأكد من صحتها، فتذهب للبحث في الكتب، حتى ظهرت محركات البحث على شبكة الإنترنت، فأسهمت في تقليل الفترة الزمنية، لكن مع دخول حقبة الذكاء الاصطناعي تغير الوضع بشكل تام، وبات كل ما تحتاج إليه، وفي غضون لحظات، بين يديك، بل بتوسع في جوانب أبعد مما طلبته.
ومع كل هذا الوهج والتسارع، اختفى أو يكاد يختفي الانتظار الذي كان حالة طبيعية في حياتنا، لدرجة أننا نفتقده، وكأننا نكتشف اليوم جماله وفائدته.
الانتظار الذي أصبح تاريخاً مضى، كان له حضور كبير في حياة البشرية، وكان جزءاً من هذه الحياة. على سبيل المثال، انتظار مواسم الزراعة، انتظار هطول الأمطار، بل انتظار الرسائل، وانتظار وصول السلع والاحتياجات، وغيرها الكثير.
دون شك، في هذا العصر، ألغيت كثير من المهام والاحتياجات التي كنا ننتظرها. وأصبحت الخدمات أكثر سرعة، وظهرت حالة قلة الصبر، ونكون أكثر ضيقاً عندما نضطر للانتظار.
مع تنامي النظرة السلبية تجاه الانتظار، وتوسعها، فقدنا فوائده، وأهم خصاله، وأكثرها قيمة وحيوية في حياتنا، وهي التأمل والتواصل العميق مع ذواتنا. فيما مضى، كانت تلك الدقائق أو الساعات، التي ننتظر فيها شيئاً ما، فرصة للتفكير، والمراجعة، التفكير في أهدافنا، وتقييم قراراتنا، بل على الأقل تأمل العالم وحركاته وأحداثه. وهذه كانت تقلل التوتر والقلق، وهو ما يعني أن الانتظار ليس عبئاً أو تراجعاً في عصرنا الحالي، بقدر ما هو فرصة لممارسة التأمل، والتقاط الأنفاس، لتهدأ الأعصاب.
من فوائد الانتظار، أنه يعزز الإبداع، لأننا في لحظات الانتظار نمنح عقولنا مساحة للمراجعة والانفتاح، وهو فرصة مثالية لتطوير حلول أو التفكير في مشاريع جديدة، أو حتى في تعزيز الوعي الذاتي، ومراجعة واقعنا الحياتي. وكأنه يسمح لنا بالاطلاع بدقة على التفاصيل الصغيرة الدقيقة، التي في العادة يتم تجاهلها وتجاوزها بسبب التسارع والركض المتواصل.
فن الانتظار مهارة تعيد إلينا الخصلة الإنسانية التي نفقدها وتضيع مع هموم الحياة الحديثة المتسارعة.
أوجد لحظاتك الخاصة من الانتظار، وحوّلها إلى لحظات ثمينة من الإيجابية.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com

عن الكاتب

مؤلفة وكاتبة وناشرة، قدمت لمكتبة الطفل عدة قصص، وفي أدب الكبار أنجزت عدة روايات وقصص قصيرة، ونصوص نثرية. حازت على عدة جوائز أدبية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"