احذروا التستر على «الجريمة»

02:31 صباحا
قراءة دقيقتين

مارلين سلوم

هناك مظاهر تخرج من إطار الظواهر العابرة والفردية، لتلتصق بصورة المجتمع وصورة البلد، ومنها التسوّل الذي تجد من يحذرك منه، ومن المتسولين المنتشرين بكثرة، إذا أردت السفر إلى بلدان معينة، تماماً مثل السرقة أيضاً التي ينصحك الناس باتخاذ حذرك من الوقوع في فخها، إذا قصدت دولاً محددة، مظاهر سلبية تصبح مثل البقعة السوداء التي تشوّه بياض صفحة، شكل غير مرغوب فيه، خصوصاً أنه لا يمت إلى الحالة الاجتماعية بصلة، فالفقير الحقيقي يلزم منزله، ويبحث عن كسب رزقه من عرق جبينه، والعمل بشكل شرعي أياً كانت مهنته، ولا يقف عند نواصي الشوارع يشحذ المال ويتسوّل.
قبل أيام شاهدت مقطع فيديو، انتشر على تيك توك، لرجال الشرطة أثناء كشفهم عن زيف رجل متسوّل يدعي إصابة في رجله وعجزه عن المشي بشكل سليم، مستغلاً مشاعر الناس وإحساسهم بالشفقة عليه وحبهم للمساعدة.. وتبين بعد فك الرباط أنه محتال ينصب على الناس، ويجمع الأموال وهو جالس على الأرض، لا يشقى ولا يتعب ويأخذ المال في آخر النهار، لينعم به.. رجل يشبه كل المتسولين الذين نصادفهم في الشوارع في أي مكان في العالم، مع فارق أن بعض الدول لا تشغل بالها بملاحقة هؤلاء النصابين، وتنظيف الشوارع من هكذا مظاهر سلبية، بينما دول أخرى تلاحقهم، وتناشد الناس بعدم التعاون معهم ومساعدتهم على المضي قدماً في عمليات النصب، وعدم التجاوب معهم كي لا يتحولوا من فاعلي خير إلى ضحايا خداع.
هذا ما تفعله الإمارات، حيث تزيد من حملات توعية الناس، وملاحقة المتسولين في شهر رمضان، شهر الرحمة الذي ينتظره المتسولون للانتشار وزيادة عمليات النصب، مستغلين حب الناس لفعل الخير والتبرع، ودفع الأموال في هذا الشهر تحديداً، ويتفننون في اتباع أساليب متنوعة للإيقاع بضحاياهم، وفي أحدث تقارير شرطة دبي والتي «ترصد سنوياً الأساليب الاحتيالية للمُتسولين، بهدف وضع خطط وبرامج لمكافحتها، والحد منها، وصولاً لضبط المتورطين لحماية المجتمع»، أنه تم ضبط 33 متسولاً في الأيام العشر الأوائل من شهر رمضان فقط!.
من يغض الطرف، ويواصل تقديم المساعدة لهؤلاء المتسولين وهو يعلم جيداً أن أصحاب الهمم الحقيقيين، لا يكسبون لقمة عيشهم من التسول، وأن الأمهات «الحقيقيات» يضحين من أجل أطفالهن ولا يرضين بتحويلهم إلى طعم لاصطياد المارة في الشارع.. من يتجاهل هذه الحقائق ويصر على تقديم المال للمتسولين، فهو لا يفعل خيراً بقدر ما يشجعهم على سرقة ماله وأموال الآخرين، وعلى تشويه المظهر العام، بدل التعاون مع الشرطة والإبلاغ عن كل متسول، سواء كان في الشارع أو المتسول الإلكتروني، علماً بأن شرطة دبي حذرت من أن «استعطاف الناس في مناسبات العبادة والأعياد للتسول بشكل احتيالي واحترافي، يعد مخالفة إجرامية يعاقب عليها القانون»، فالتسول بكل أشكاله، سواء كان تقليدياً أو إلكترونياً، هو جريمة في نظر القانون، وعلينا محاربتها لا التستر عليها.

[email protected]

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"