خالد راشد الزيودي*
في خطوة تعد من أبرز إنجازات دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال تمكين المرأة وحمايتها، أطلقت وزارة الداخلية والمركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء دليل «نموذج دولة الإمارات التنظيمي والوقائي للحد من العنف الرقمي والعنف ضد المرأة والفتيات»، وذلك خلال مشاركتها في الدورة 69 لاجتماع لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة. هذه المبادرة تبرز التزام الإمارات المستمر حماية المرأة وتعزيز التوازن بين الجنسين، وهي تمثل أحد أوجه التطور الذي يشهده المجتمع الإماراتي في سياق التحديات الرقمية التي تشهدها العديد من الدول حول العالم.
إن إطلاق هذا الدليل جاء في توقيت بالغ الأهمية، حيث يشهد العالم تحولات رقمية سريعة تواكبها زيادة في استخدام التقنيات الحديثة من قبل النساء والفتيات، وهو ما يجعلهن عرضة لمخاطر العنف الرقمي من قبيل التحرش الإلكتروني والتهديدات الرقمية. ومع تزايد هذه المخاطر، تصدرت الإمارات دول العالم في تطوير إطار تشريعي وقانوني شامل لحماية المرأة، وهو يتضمن 35 تشريعاً وقانوناً معنياً بالحماية من العنف الأسري والعنف الرقمي، إضافة إلى أكثر من 46 مبادرة وبرنامجاً توعوياً يضمن توفير بيئة آمنة للنساء والفتيات في الفضاء الرقمي.
تعدّ هذه المبادرة جزءاً من استراتيجية شاملة تسعى الإمارات من خلالها إلى تعزيز التوازن بين الجنسين وتحقيق المساواة في مختلف القطاعات، وهو أمر يعكس رؤية القيادة الإماراتية الحكيمة التي وضعت حماية حقوق المرأة وتوفير البيئة الآمنة لها على رأس أولوياتها. كما يعكس ذلك الإيمان العميق بأن تمكين المرأة لا يقتصر فقط على تمكينها من خلال التشريعات والقوانين، بل يشمل أيضاً تمكينها عبر تطوير بيئة رقمية آمنة تتيح لها أن تستخدم التقنيات الحديثة بثقة وأمان، وهو ما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة والرفاه الاجتماعي.
وفي سياق التطورات الدولية، نجد أن العديد من الدول حول العالم تواجه تحديات متزايدة في مكافحة العنف الرقمي ضد المرأة. ففي أوروبا وأمريكا الشمالية، أظهرت دراسات حديثة أن النساء هن الأكثر عرضة للهجمات الرقمية بما في ذلك الابتزاز الإلكتروني، والتشهير الرقمي، وهو ما دفع العديد من الحكومات والمنظمات الدولية إلى التحرك لوضع استراتيجيات وقوانين لمواجهة هذه الظاهرة.
في هذا السياق، جاءت الإمارات لتكون من أوائل الدول التي تعمل على تطوير نموذج شامل لحماية النساء والفتيات من هذا النوع من العنف، ما يجعلها مرجعاً عالمياً يمكن أن يُعتمد لمكافحة العنف الرقمي على نطاق واسع.
وتؤكد الإمارات من خلال هذه المبادرة دورها القيادي في تعزيز مكانتها الدولية في مجالات حقوق الإنسان وحماية المرأة. فقد تصدرت الإمارات قائمة الدول الأكثر تقدماً في 30 مؤشراً عالمياً يتعلق بالمرأة، واحتلت المرتبة الأولى إقليمياً في 38 مؤشراً، وجاءت ضمن العشر الأوائل في 34 مؤشراً، ما يعكس التزام الدولة الراسخ بالعدالة والمساواة بين الجنسين. هذه الإنجازات تضع الإمارات في موقع الريادة على مستوى العالم في مجال تمكين المرأة، بما في ذلك حماية حقوقها في الفضاء الرقمي.
إن الحماية من العنف الرقمي تتطلب إجراءات وقائية شاملة ومتكاملة، وهو ما أثبتته الإمارات من خلال تنسيقها مع الجهات الوطنية والدولية. فالدولة لم تكتفِ بتقديم التشريعات اللازمة فقط، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك من خلال تعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص والمنظمات الدولية لضمان بيئة آمنة تحمي النساء والفتيات من مختلف أشكال العنف، خاصة في الفضاء الرقمي. هذا الأمر يعكس مدى أهمية استراتيجية الإمارات في استدامة تطور المجتمع ومواكبة التغيرات التقنية السريعة التي تطرأ على عالمنا المعاصر.
في هذا الإطار، لا يمكن تجاهل التحولات التي يشهدها العالم في إطار حقوق المرأة في ظل الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة التي تأثرت بها العديد من النساء والفتيات في مناطق النزاع، حيث يزداد تعرضهن للانتهاكات والعنف الرقمي. على مستوى العالم، وهناك دول ومنظمات دولية تعمل على مكافحة هذه الانتهاكات، لكن الإمارات تتفرد بتقديم نموذج يُحتذى به في هذا الصدد من خلال شراكاتها الاستراتيجية مع المنظمات الإقليمية والدولية، بما في ذلك معاهدات الأمم المتحدة، مثل «سيداو» (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) وإعلان ومنهاج عمل «بكين».
وتجسد هذه المبادرة التزام الإمارات الأوسع تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمرأة، وخاصة الهدف الخامس «المساواة بين الجنسين»، الذي يعد أولوية في تسريع تنفيذ الأجندة التنموية. هذا الهدف يتقاطع مع محاور رئيسية أخرى تشمل الصحة الجيدة، والتعليم الجيد، والعمل اللائق، والحد من أوجه عدم المساواة، وهو ما يعكس الاستراتيجية الوطنية الشاملة للإمارات في تحقيق التنمية المستدامة.
تظل الإمارات مثالاً ملهماً للعالم في مجال حماية حقوق المرأة وتطوير التشريعات والسياسات التي تكفل لها الحياة الكريمة والآمنة. وبفضل القيادة الحكيمة التي تتبنى رؤية استراتيجية لتسريع تمكين المرأة، تواصل الإمارات تعزيز مكانتها كدولة رائدة في مجال حقوق الإنسان، مؤكدةً أهمية تحقيق التنمية المستدامة التي تشمل جميع فئات المجتمع، خاصة النساء والفتيات في العصر الرقمي.