دونالد ترامب لا يريد الحروب، إنه يريد المال والثروة، ولذلك ألح على أن يتم إنهاء حرب أوكرانيا بأي ثمن كان، ولو بتفريط كييف في ثروتها من المعادن النادرة.
في ما يبدو أنه بداية عصر «الليثيوم»، أو الطاقة البديلة التي ستقود العالم في السنوات القادمة.
وقد تصدّر الليثيوم واجهات الأخبار في حديث ترامب عن ضرورة تعويض أوكرانيا للأموال التي دفعتها واشنطن خلال الحرب المستمرة منذ العام 2022.
ولكن ماهو الليثيوم؟ وأي أهمية له في مستقبلنا؟ الليثيوم، المعروف ب «الذهب الأبيض»، هو عنصر كيميائي فريد له العديد من التطبيقات المهمة في عصرنا الحديث. ويمتاز الليثيوم بكونه أخف المعادن، إذ يأتي في المرتبة الثالثة بعد الهيدروجين والهيليوم. ويتمتع بلون أبيض فضي وهو فلز ليّن وقليل الكثافة، مما يجعله مثالياً للعديد من الاستخدامات التكنولوجية. وفي العصر الحالي، أصبح الليثيوم أساسياً في صناعة البطاريات التي تُستخدم في الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، بالإضافة إلى دوره المحوري في ثورة الطاقة النظيفة. فمن دونه، يصعب تصوّر استخدامات السيارات الكهربائية أو تخزين الطاقة المتجددة.
ومع تزايد الطلب العالمي عليه، أصبح الليثيوم يشكل محط أنظار الدول الصناعية التي تتسابق للحصول عليه، ليصبح عنصراً استراتيجياً في المستقبل القريب. وفي مواجهة الانفجار على الطلب من مادة الليثيوم، والذي أُقحم في القضايا الجيوسياسية والبيئية والاقتصادية بين الدول لهذا الاندفاع العالمي نحو «الذهب الأبيض» أصبحنا نعيش تنافساً قوياً، ليس على مادة الذهب، ولكن على الليثيوم، والذي يمثل بالنسبة للكثيرين مستقبل صناعات السيارات الكهربائية والذي تعتمد عليه مكافحة تغير المناخ.
وجراء هذا التنافس الدولي، ارتفعت أسعار «المعدن الأخضر» الليثيوم. بما يقرب من 500٪ في العام الماضي بسبب حقيقة أن «جميع مصنعي السيارات تقريباً قد شرعوا في إنتاج السيارات الكهربائية»، وبالنسبة لقيصر السيارات الكهربائية والرئيس التنفيذي لشركة «تيسلا» إيلون ماسك، فإن التكاليف «الجنونية» تعني أن شركته «قد تضطر مباشرة إلى التعدين والتكرير على نطاق واسع» كما قال. مثل ما تفعله الشركات الصينية بالفعل في سعيها لضمان عدم نفاد المعدن اللازم لتصنيع بطاريات الليثيوم أيون، والتي تمتلك الصين أكبر سوق للسيارات الكهربائية فيها.
ولأنّ عصر الليثيوم، يتداخل فيه السياسي بالاقتصادي، فقد أبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحولاً مفاجئاً في موقفه، وأعلن استعداده لتوقيع اتفاق المعادن مع واشنطن ووقف إطلاق النار فوراً، بشرط التزام روسيا، مؤكداً التزامه بالعمل تحت «قيادة ترامب القوية» لتحقيق سلام دائم، وذلك بعد تصعيد أمريكي ضده وتجميد المساعدات العسكرية. وأعلن زيلينسكي، استعداد بلاده لتوقيع اتفاقية المعادن مع الولايات المتحدة «في أي وقت وبأي صيغة مناسبة».
وهكذا يبشر عصر الليثيوم بتنافس دولي شديد على هذا المعدن الثمين، ورغبة الدول المصنعة في الحصول عليه بأي ثمن. ويبدو أن هذه الحروب بدأت مبكراً، فقد قال الرئيس البوليفي السابق، إيفو موراليس، إن الانقلاب الذي نُفذ في السنة الماضية، كان برعاية أمريكية لأن الولايات المتحدة، «تسعى» للحصول على موارد الليثيوم الكبيرة في البلاد، التي من شأنها أن تدعم قطاعها التكنولوجي.
وقال موراليس إن واشنطن لم «تغفر» لبلاده اختيارها السعي لإبرام شراكات مع روسيا والصين لاستخراج الليثيوم وليس الولايات المتحدة. وأضاف «لهذا أنا مقتنع بالمطلق أنه انقلاب ضد الليثيوم». وتابع «نحن كدولة بدأنا بتصنيع الليثيوم وكدولة صغيرة عدد سكانها 10 ملايين نسمة، كنا على وشك أن نحدد سعر الليثيوم». وأشار إلى أن الأمريكيين «يعلمون بأننا نملك أكبر احتياطات الليثيوم في العالم بأكثر من 16 ألف كيلومتر مربع».
من جانبها كشفت وزارة الصناعة والتجارة والتعدين في إيران، عن وجود احتياطيات ضخمة من الليثيوم في البلاد، وبتركيزات تنافسية عالمياً. وقالت الوزارة، في تقرير مفصل لها، إن عمليات أخذ العينات المنتظمة من 46 محطة في 3 محافظات إيرانية لاكتشاف الليثيوم من شأنه أن يضع الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أعتاب ثورة التعدين.
تجدر الإشارة إلى أن الطلب العالمي على الليثيوم سيصل إلى 2.4 مليون طن بحلول عام 2030. وبسوق حجمها أكثر من 350 مليار دولار. وكشف وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، عن إنشاء المملكة برنامجاً تحفيزياً للتنقيب عن المعادن ب182 مليون دولار. جاء ذلك في حديثٍ لوزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف، في حدث صناعي، بالرياض، كما كشف عن صفقات مرتقبة سيتم توقيعها خلال الأيام القليلة المقبلة، موضحاً بقوله: «سيتم التوقيع على صفقات بقيمة 75 مليار ريال، أي ما يقرب من 20 مليار دولار، والتي ستعزز البحث والتطوير والتكنولوجيا وفرص سلسلة القيمة المضافة».
وهكذا فإنّ عصر الليثيوم قد بدأ بتنافس قوي، بين الدول المنتجة، فيما ستعلن دول أخرى دخولها غمار السباق الدولي من أجل الفوز بجزء من كعكة الليثيوم الغنية.
مقالات أخرى للكاتب
قد يعجبك ايضا







