في عواقب الغربة العلميّة

00:51 صباحا
قراءة دقيقتين

هل في ذهنك موضوع أجدر بالبحث والدراسة في العالم العربي من اللامبالاة العلمية والتقنية؟ هي، لدى الأكثرية للأسف، غربة واغتراب وعدم اكتراث في آن. غالباً ما تستهدف سهام النقد أوساط المفكرين والمثقفين، لا لأن جدرانهم سهلة القفز عليها، لا قدّر الله، ولكن يقيناً بأن الثقافة هي الحارس المنبّه الأوّل وفي الأثناء والأخير، فأهل العلم والاطلاع والتنقيب هم أولئك الباحثون والمبدعون، هم المستكشفون وحمَلة رايات التوعية والتنوير. 
من خلال الجولات في ربوع المطبوعات قبل عصر المعلوماتية، لا شك في أن المثقفين كانوا يفتقدون الحضور العربي في محافل العلوم، حتى في الإنسانيات التي هي أحواض سباحة المثقفين وشواطئهم. يتساءلون كيف سبقَنا الأجانب بمستشرقيهم وعلماء آثارهم وأساتذة جامعاتهم، إلى أعمق أعماق تراثنا وميراثنا. أمّا في علوم الأرض والكون، فجل بلاد العرب هي من بين البلدان السائرة على تسجيل الغياب والاغتراب، ولولا كثرة تردد كلمتي علم وعلوم في مباحث اللغة والشريعة وأصول الدين، لظلت العلوم تذكر كميراث لنا في الحضارة الإسلامية. 
اليوم تغيّر المشهد عالمياً، وصارت عواقب الغربة العلمية قضايا طفح كيلها خارج نطاق الاقتصاد والمعايير المألوفة قبل عقود في تصنيف البلدان المتقدمة والمتخلفة. حتى قُبيل الحرب العالمية الثانية، لم يكن مطروحاً بجدية موضوع التخلف الفيزيائي كخطر جيوسياسي، جيواستراتيجي، على الأوطان والسيادة والشعوب. اتضح الخطر بعد هيروشيما. اليوم صارت الآلة الذكية تحدد مواقع البلدان من التاريخ حاضراً ومستقبلاً. 
الصورة الكاريكاتيرية هي أنه لا مناص من ذلك المثل القديم: «طريق الألف ميل يبدأ بخطوة». على الدماغ الثقافي العربي أن يأتينا بسحر يجعل التنميات المتعثرة تلتحق بالموكب العلمي التقني، من دون الرجوع إلى تطوير المناهج التعليمية أوّلاً. المأزق ليس فكاهة وتسلية، فالعقبة الأنكى هي أن تطوير التربية والتعليم لم يعد ممكناً بالأساليب البسيطة غير الباهظة التي كانت متاحةً قبل قرن. مع هذا ثمة أمور أشد وأعسر، وهي أن التنمية لم تعد ممكنةً بالمفرق والتقسيط. اليوم لا بدّ من التنمية الشاملة، وفي ظروف دولية باتت غير ذات أطراف ليّنة مساعدة. 
لزوم ما يلزم: النتيجة الوجودية: السؤال الطريف هو أين تريد أن تكون إذا لم يكن لك حضور علمي في الكون ولا في الأرض؟
[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"