عادي

اتهامات تواجه «شات جي بي تي»

17:01 مساء
قراءة 4 دقائق

يرى المهندس زياد عبد التواب في كتابه «العصابة.. محاكمة شات جي بي تي» الصادر عن مؤسسة بتانة للنشر والثقافة، أن الذكاء الاصطناعي – مفهوماً ومصطلحاً – ليس بجديد، كما قد يتصور البعض، فالرحلة بدأت منذ عام 1956 خلال إحدى ورش العمل، التي يمكن اعتبارها الميلاد الحقيقي لمفهوم الذكاء الاصطناعي، فقد كان ذلك من خلال طرح فكرة بسيطة، مفادها أن أياً من خصائص التعلم أو الذكاء يمكن توصيفها بدقة، ومن ثم يمكن توجيه الآلة لمحاكاتها بدقة.
استمرت الفكرة في التطور على مستوى المفهوم والإجراءات والعمليات، وأيضاً على مستوى التقنية والتنفيذ، وذلك في شكل موجات من الصعود والهبوط، إعلامياً وتجارياً وتطبيقياً، حتى وصلنا إلى الألفية الثالثة التي امتازت باتساع نطاق تغطية الشبكات وزيادة التطبيقات الرقمية وانخفاض تكلفة اقتناء الحواسب الآلية، مع زيادة قدراتها الحسابية وسعاتها التخزينية، ما سمح بتخزين هذا الكم الهائل من البيانات والمعلومات، تلك التي تعتبر الوقود اللازم للعمل.
يقول عبد التواب: إن أبسط تعريف للذكاء الاصطناعي هو قدرة الآلة على استرجاع البيانات الهائلة المخزنة ومقارنة بعضها ببعض، وإيجاد علاقات بينية مباشرة وغير مباشرة بينها، ومن ثم الوصول إلى نتائج جديدة، كما أن مبدأ تعلم الآلة يمكن وصفه بأنه قدرة الآلة على التعرف إلى العالم المحيط، وإضافة خبرات جديدة إليها، واتخاذ القرارات أحياناً من دون الرجوع إلى العنصر البشري؛ إذ توسع قاعدة التعريف لتشمل قدرة الآلة على التعلم والمقارنة والتفاعل مع الجديد من حولها من دون إضافات لمعارف جديدة من قبل الإنسان، أي قدرتها على التعامل مع المستجدات التي لم تكن موجودة وقت بداية وضع الآلة في البيئة المتفاعلة معها.
نماذج
يضرب الكاتب عدة أمثلة للتعرف إلى الذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على أن هذا العمل لا يزال مرتبطاً بمجال معين أو مهمة واحدة، بمعنى أن برنامج الشطرنج لا يستطيع متابعة ملوحة الأرض وبرنامج تغليف الأطعمة في المصنع، لا يستطيع ترتيب البضائع على أرفف المخازن.
أما عندما يرتبط الأمر بالإنتاج الفكري والإبداعي للعقل البشري المجرد، فإن الإحساس بذكاء الآلة والانبهار بها يزيد، والخوف والقلق منها أيضاً، وهو ما بهر البشر وصدمهم بداية من الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني 2022 عندما أعلنت إحدى الشركات الأمريكية عن إطلاق برنامج «شات جي بي تي» ضمن فئة النماذج اللغوية الكبيرة، وأتاحت استخدامه لكل مستخدمي الإنترنت مجاناً.
تحت عنوان «عمالقة التكنولوجيا يأخذون نصيبهم من الكعكة الجديدة» يستعرض زياد عبد التواب ما توصل إليه مارك زوكربيرج، صاحب ومؤسس شركة «فيسبوك»، وحديثه عن مشروعه المعروف بـ«الميتافيرس»، أياً كانت النتائج التي توصل إليها مارك، فإن الإقبال الكبير على استخدام «شات جي بي تي» غير خطط الكثيرين، وشملت الخطط عديداً من التطبيقات، لكن التركيز كان على تطبيقات النماذج اللغوية الكبيرة التي باتت تهدد عروش بعض الشركات الكبرى، مثل «جوجل» صاحبة أكبر محرك بحث على الإنترنت، وبنفس الأسلوب طوّرت شركة مايكروسوفت نموذجاً لغوياً خاصاً بها، وأضافته إلى محرك البحث الخاص بها.
مصداقية
يرى الكاتب أن الإشكالية الأخطر التي يقع فيها غير المتخصصين وبعض المتخصصين في مجال التكنولوجيا أيضاً، هي التصديق الكامل التام لما يصدر عن «شات جي بي تي» من نتائج، فالبرنامج نظرياً يغذى بكم هائل من البيانات والمعلومات والدراسات العلمية والأدبية والكتب في كل التخصصات وبأغلب لغات الأرض، كما أنه يتصل بالمواقع الإلكترونية الكثيرة المنتشرة على الإنترنت، وعليه فإن النتيجة المتوقعة منه ستكون على مستوى هذه البيانات الكثيرة بعد تحليلها ومقارنة أجزاء منها ووضعها في سياق جديد بناء على طلب المستخدم.
نستطيع التوقف أمام ما أطلق عليه زياد عبد التواب «محاكمة شات جي بي تي»، فلدينا عدد من الاتهامات الواضحة لتطبيقات النماذج اللغوية الكبيرة مثل «شات جي بي تي»، ولدينا آراء الشركات والمبرمجين التي تتراوح بين الاعتذار بأن التطبيق لا يزال يتعلم ويتحسن مع الوقت وبين التجاهل التام لتلك الاتهامات، خاصة إذا جاءت من مناطق في العالم ليس لها سيطرة إدارية أو قانونية على تلك الشركات.
الاتهامات كثيرة ولا تتوقف فقط عند الانحيازات أو عدم دقة النتائج، لكنها تشمل أيضاً انتهاك حقوق الملكية الفكرية للإبداعات البشرية السابقة التي تعتبر الغذاء الرئيسي والوقود الأساسي للتطبيق، كما تشمل الاتهامات التسبب في نقص القدرات العقلية لدى إنسان المستقبل والسيطرة على أفكاره ومعتقداته، وصولاً إلى السيطرة التامة على البشر، وتحويلهم إلى مجموعة من العبيد يأتمرون بأمر تلك التطبيقات ولا يستطيعون العيش دونها.
الاتهامات التي توجه إلى «شات جي بي تي» يمكن إجمالها في عدة نقاط: إنه متهم بانتهاك حقوق الملكية الفكرية للأفكار والإبداعات التي يعتمد عليها في توليد المحتوى، أيضاً متهم بأن انتشار تطبيقاته سيؤثر بالسلب في قدرات البشر العقلية في المستقبل، ويساعد على نشر توجهات وأفكار قد تكون مناسبة لبعض المجتمعات، وهناك أيضاً اتهام يقول إن شات جي بي تي يُسهم في عملية قتل الإبداع البشري، ونشر الشائعات والأخبار الكاذبة والمغلوطة.
تقرير
يشير زياد عبد التواب إلى تقرير مهم أصدرته منظمة العمل الدولية في 21 أغسطس/آب عام 2023 بعنوان «الذكاء الاصطناعي التوليدي والوظائف.. تحليل عام للتأثيرات المحتملة على كمية الوظائف ونوعيتها»، التقرير يقسم القضية إلى قسمين رئيسيين: القسم الأول إحلال الذكاء الاصطناعي محل البشر نهائياً، القسم الثاني تعزيز الذكاء الاصطناعي للوظائف التي يمتهنها البشر.
يشير التقرير إلى أن الوظائف المتوقع فقدانها ستكون نحو 75 مليون وظيفة على مستوى العالم، منها 27 مليون وظيفة يؤديها الذكور في مقابل 48 مليون وظيفة يؤديها الإناث، وعلى الجانب الآخر فإنه من المتوقع أن يكون مساعداً ومعززاً للعمل في 427 مليون وظيفة.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"